د. عبد المنعم سعيد
قد يبدو الحديث عن مرحلة ما بعد التعديلات الدستورية نوعا من تجاوز الواقعrlm;,rlm; والقفز إلي المجهولrlm;,rlm; خاصة أن عملية الانتهاء من صياغة التعديلات لا تزال جاريةrlm;,rlm; كما أن طرحها للاستفتاء العام لا تزال مقبلةrlm;,rlm; وما بين هذا وذاك فإن النقاش والحوار بين القوي السياسية المختلفة في مصر لا يزال حارا وساخناrlm;.rlm; ولكن كل ذلك في جوهره يظل جزءا من المستقبل القريب والبعيد معاrlm;,rlm; فمن قبل ومن بعد فإن ما يجري حالياrlm;,rlm; وما جري خلال الشهور القليلة الماضيةrlm;,rlm; هو جزء من عملية تاريخية أوسع للإصلاح السياسي والاجتماعي تنتقل مصر بموجبها إلي صفوف الدول الديمقراطية الحقةrlm;,rlm; أو هكذا نعتقدrlm;!.rlm;
وبالنسبة للمتشائمين في بداية التجربةrlm;,rlm; والذين ظنوا أن التعديلات الدستورية لن يكون فيها ما هو أكثر من تمثيلية سياسيةrlm;,rlm; فربما وجدوا فيما جري خطوات متقدمة إلي الأمام بدت في عمليةrlm;'rlm; الضبطrlm;'rlm; للمادة الثانية من الدستور من خلال النص علي مبدأ المواطنة كحجر الزاوية في بنية الدولة المصريةrlm;,rlm; وربما اكتشفوا أنه مهما تكن الخلافات حول قيود المادةrlm;76rlm; من الدستورrlm;,rlm; فإن انتقالا سلميا لشكل السلطة نحو ساحة واسعة من القوي السياسية المدنية قد حل في النهاية ببلادنا بعد طول انتظارrlm;.rlm; ومن المرجح أن هؤلاء سوف ينظرون إيجابيا إلي تطورات أخري مثل رقابة مجلس الشعب علي الموازنةrlm;,rlm; ومشاركة رئيس مجلس الوزراء ومجلس الشعب لرئيس الجمهورية في عدد من القرارات المهمةrlm;,rlm; وربما سعدوا لأن مجلس الشوري حصل علي بعض السلطات الإضافية التي تنقله من مجرد زائدة علي النظام السياسي إلي مهام تشريعية محددةrlm;.rlm;
ولكن المتفائلين كالعادة بأن التعديلات المرتقبة سوف تحقق النقلة التي طال انتظارها نحو نظام سياسي جديد تماما ديمقراطي التوجهrlm;,rlm; ومتناسق الأجزاءrlm;,rlm; وواضح الفلسفةrlm;,rlm; ربما سيشعرون بقدر غير قليل من الإحباطrlm;.rlm; فعند نهاية العملية فإن الأسئلة حول عملية انتقال السلطةrlm;,rlm; والكيفية التي تقوم عليها الانتخابات الرئاسية والتشريعيةrlm;,rlm; بل وكل ما يتعلق بالتوازن بين السلطات المختلفةrlm;,rlm; والحريات العامة في مواجهة سوء استخدام السلطةrlm;,rlm; باتت أكثر إلحاحا مما كان عليه الحال من قبلrlm;.rlm; وفي الحقيقة فإنه سوف يصبح علي الحزب الوطني الديمقراطي مهمة بالغة الصعوبةrlm;_rlm; ولكنها ليست مستحيلةrlm;-rlm; في إقناع المصريين أن الانتخابات المقبلة سوف تكون أكثر نزاهة من كل الانتخابات الماضيةrlm;.rlm; وهي مهمة ليست ضرورية فقط لإقناع الناس بالتوجه الإيجابي للتعديلات الدستوريةrlm;,rlm; وإنما أيضا بالذهاب إلي صناديق الاقتراع للاستفتاء علي تعديل الدستورrlm;.rlm;
وهنا تحديداrlm;,rlm; وبغض النظر عن التفاؤل والتشاؤمrlm;,rlm; تبدو أهمية جدول أعمال ما بعد التعديلات الدستوريةrlm;,rlm; فهناك عدد من الخطوات والقوانين المكملة للتعديلات التي ستصدر خلال الشهور المقبلة والتي علي أساسها سوف يتحدد تقدير الناس للتعديلات الحاليةrlm;.rlm; وعلي سبيل المثال فإن النظرة إلي تعديلات المادةrlm;88rlm; الخاصة بالإشراف علي الانتخابات سوف تختلف تبعا للطريقة التي علي أساسها سوف يتم اختيار اللجنة المشرفة علي الانتخابات وعما إذا كانت لجنة محايدة حقا ولديها ما يكفي من السلطات علي العاملين في وزارتي العدل والداخلية لإجراء انتخابات نزيهةrlm;,rlm; أم أنه سوف يتم اختيارها من أعضاء ينتمون إلي حزب الحكومة أو يعينهم رئيس الجمهورية وآخرين تختارهم الأغلبية في مجلسي الشعب والشوري مما يعني عمليا أن يصبح الحزب الوطني الديمقراطي طرفا وحكما في المنافسة السياسيةrlm;.rlm; كما سوف تختلف النظرة كلية إذا ما فازت الحكمة خلال الأيام القليلة المقبلة وأضيفت فقرة إلي التعديلات الدستورية الراهنة تعطي السلطة القضائية حق الفصل في صحة العضوية ليس فقط لأن ذلك سوف يزيد من مصداقية التعديل الدستوريrlm;,rlm; وإنما أيضا لأن ذلك هو التطبيق الصحيح لنظرية الفصل بين السلطات والتوازن بينهاrlm;.rlm;
فلم يكن أبدا من قبيل الفصل بين السلطات أن تقوم السلطة القضائية بترك عملها الذي يخص المصالح الحيوية للمجتمع من أجل الإشراف علي الانتخابات لشهور طويلةrlm;,rlm; بل كان ذلك إخراجا للقضاء من مهمته وحشره في ساحة سياسية محملة بالأهواءrlm;;rlm; ولكن الفصل في صحة العضوية أمر آخر يقع في صميم مهمة القضاء في الفصل النزيه والمحايد في الخلافات والمنازعاتrlm;.rlm; وجهة النظر هذه تبناها كثرة من المفكرين وأصحاب الرأي الذين عرفوا بالنزاهة والاستقلال والنظر إلي المصلحة العامة ومنهم الأستاذ مكرم محمد أحمد وآخرونrlm;,rlm; ولا تزال صالحة لكي يضعها مجلس الشعب ضمن التعديلات المرتقبةrlm;.rlm;
وسوف تتحدد النظرة للتعديلات الدستورية أيضا بالطريقة التي سوف يخرج عليها قانون الإرهابrlm;,rlm; وعما إذا كان سوف يمثل صياغة أخري لقانون الطواريءrlm;,rlm; أو أنه سوف تكون مهمته الأساسية حماية البلاد من ويلات الإرهاب فقط ولا غيرrlm;.rlm; فالحقيقة أنه لا يوجد خلاف بين كافة القوي السياسية في مصر علي أن هناك خطرا حالا للإرهاب ينبغي مقاومته بكافة الوسائلrlm;;rlm; ولكنه أيضا لا يوجد خلاف علي ألا يكون القانون سبيلا لإساءة استخدام السلطة ومخالفة حقوق الإنسانrlm;.rlm; وهنا فإنه علي المشرعrlm;,rlm; وعلي الحزب الوطني الديمقراطي الذي سوف يضع القانونrlm;,rlm; أن يميز ما بين السلطات الكافية لإحباط العمليات الإرهابيةrlm;,rlm; وحقوق المواطن وحقه في محاكمة عادلة تتوافر لها كل اعتبارات التأني والعدالة والحفاظ الكامل علي إنسانية الإنسانrlm;.rlm;
كل ذلك وبغض النظر عن التفاؤل والتشاؤم سوف يشكل جدول أعمال مرحلة ما بعد التعديلات الدستوريةrlm;,rlm; وربما يكون الإعلان عن النيات الخاصة بهذه القوانين الآن معالجة لوضع سلبي ظهر أخيرا علي الساحة السياسية بعد أن قامت مجموعة من الأحزاب مثل حزبي الوفد والتجمع بالتعاطي الإيجابي مع التعديلات المقدمة من الحزب الوطني الديمقراطي رغم مواقفهما الأساسية من ضرورة تغيير الدستور كلهrlm;.rlm; فالصورة التي انتهي لها الوضع مع صياغة التعديلات الدستورية تضع مصر في حالة استقطاب حادة يكون فيها الحزب الوطني الديمقراطي في جانب وكل الأحزاب الأخري الممثلة في البرلمان في جانب آخرrlm;.rlm; ولا بأس في ذلك وحسم المسائل علي قاعدة الأغلبية والأقلية عندما يكون الأمر المعروض من الأمور العادية والروتينيةrlm;,rlm; أو حتي القوانين المنظمة لحركة المجتمعrlm;;rlm; ولكن المسألة تكون مختلفة تماما عندما يكون الأمر متعلقا بالتعديلات الدستورية وإعادة تشكيل النظام السياسي المصري من جديدrlm;.rlm; فمثل ذلك يمثل لحظة للتوافق الوطني وليس للاستقطاب الحاد بين قوي الحكم وقوي المعارضةrlm;.rlm;
والحقيقة أن مصر بدت في لحظة من لحظات الحوار حول التعديلات الدستورية كما لو كانت مقبلة علي لحظة ديمقراطية تتقاطع وتتقابل وتتحالف فيها القوي السياسية المختلفة حسب الموضوع وليس حسب مواقف مسبقة من القوي الأخري في الحكم أو في المعارضةrlm;.rlm; فعندما طرحت المادة الثانية من الدستور للنقاش العامrlm;-rlm; رغم أنها لم ترد في التعديلات المطروحةrlm;-rlm; فإن درجة التلاقي بين الغالبية في الحزب الوطني الديمقراطي وجماعة الإخوان المسلمينrlm;_rlm; المحظورة والمشروعة معاrlm;-rlm; كان خاطفا للنظر بما فيه من حماس وزخمrlm;,rlm; بينما وقفت القوي الليبرالية واليساريةrlm;-rlm; الموقعة علي بيان مطالبة رئيس الجمهورية بتغيير المادة أو تعديلهاrlm;-rlm; علي الجانب الآخرrlm;.rlm; وبالطبع كان الحزب الوطني الديمقراطي علي توافق في عدد من الموضوعاتrlm;,rlm; خاصة تلك التي تخص المواطنةrlm;,rlm; مع حزبي الوفد والتجمع وعدد من الأحزاب الصغري الأخريrlm;,rlm; بينما وقف الإخوان علي الجانب الآخر بين متشكك ومهاجمrlm;.rlm;
مثل هذه الحالة منrlm;'rlm; الصحة الديمقراطيةrlm;'rlm; وصلت إلي نهايتها مع صياغة التعديلات حينما أعلن حزب الوفد عن رفضه لهاrlm;;rlm; ولو كان الحزب الوطني الديمقراطي أكثر مرونة فيما تعلق بتعديل المادةrlm;88rlm; الخاصة بالإشراف علي الانتخابات والمادةrlm;179rlm; والخاصة بالتعامل مع الإرهاب لتم تجاوز حالة الاستقطاب المتوقعةrlm;.rlm; هذه الحالةrlm;-rlm; علي أية حالrlm;-rlm; ومهما تكن صفاتها سوف تترك آثارها علي فترة الشهور القليلة المقبلة والتي لن يكون فيها فقط إقرار القوانين المكملة للتعديلات الدستورية بل أيضا إجراء انتخابات مجلس الشوريrlm;,rlm; وقبل ذلك كله الأسلوب الذي سيتم به الإشراف علي الاستفتاء الخاص بالتعديلات الدستورية خلال الأسبوع الأول من أبريل القادم وعما إذا كان سيتم تحت الإشراف الكامل للقضاء كما هو القانون الحالي والمراد تغييرهrlm;,rlm; أو أنه سيتم وفقا للقانون الجديد الذي لا يمكن إقراره قبل إقرار التعديلات الدستورية ؟rlm;!.rlm;
هذا اللغز لن يكون أول الألغاز ولا آخرهاrlm;,rlm; وبالتأكيد فإنه سوف يجد حلا فقهيا أو آخرrlm;,rlm; فالمدينة مزدحمة بكثرة من فقهاء القانون القادرين علي إجراء الملاءمات والمواءماتrlm;,rlm; وفي المدرسة الفرنسية القانونية التي يحبها أهل القانون في مصر عباءة واسعة للاغتراف والتقليدrlm;.rlm; ولكن نتائج الشهور الماضية سوف تبقي معنا خلال السنوات المقبلة وسوف يصبح علينا أن نتعامل معها باعتبارها حلقة من حلقات تطور الدولة المصريةrlm;,rlm; وسوف يكون لها وعليها الكثير من قبل الذين سوف ينظرون لهذه الفترة من تاريخ مصر مع مطلع القرنrlm;.rlm; وهي كما في كل الحلقات السابقة سوف تظهر فيها وجوه مضيئة وأخري شائهةrlm;,rlm; ولكن التعديلات الدستورية لن تقول كل الحكايةrlm;,rlm; ففي القصة مشاهد أكبر وأوسع مما نعتقد وتتعلق بموقعنا علي خريطة المنطقةrlm;,rlm; والتطورات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية الجاريةrlm;,rlm; ففي النهاية فإن مصر أكثر تعقيدا بكثير مما تبدو عليهrlm;,rlm; والنيل الهاديء الذي يمضي متراخيا من المنبع إلي المصب يحمل في داخله نبوءات تاريخ طويل تقلبت فيها الأزمان وتغيرت فيها الأجيال والحقبrlm;.rlm;
التعليقات