جهاد الخازن
هل هناك مشاكل من دون حل؟
لا أسأل عن القضية الفلسطينية مع أنها من دون حل منذ مئة عام، وقد تمضي مئة عام أخرى من دون أن تحل كما قال ديك تشيني يوماً. أيضاً لا أسأل عن الكارثة في العراق وهل نرى مخرجاً منها في عمرنا. بل انني لا أسأل عن الحكومة والمحكمة في لبنان أو البيضة والدجاجة، ومن سبق منهما الآخر.
ثمة قضايا أخرى قد لا يراها المواطن العربي الذي جعلته مشاغله ومشاكله ذا بعد واحد يمنعه من رؤية قضايا بقية العالم.
كنت بدأت التفكير في قضايا لا حل لها، وأنا أقرأ تقريراً يقول ان العالم العربي في حاجة الى 80 مليون وظيفة جديدة في الخمس عشرة سنة المقبلة.
هذه مشكلة من دون حل، فالعالم العربي لن يوفر 80 مليون وظيفة جديدة لأبنائه، وهؤلاء يزيدون كالأرانب، فعندنا أعلى نسبة زيادة سكان في العالم، وأعتقد بأن قطاع غزة يتقدم الجميع، ربما لإغاظة الاسرائيليين.
وأكتب وأمامي عشرات الصفحات عن ديموغرافيا العالم العربي، إلا أنني لا أجزم بأرقام محددة، فبعض الدراسات عمره سنة، وبعضها الآخر عمره خمس سنوات أو عشر، وأقدر أن في العالم العربي حوالى 300 مليون نسمة، وأن الثلثين منهم في شمال افريقيا. وقد زاد عدد سكان مصر على 70 مليوناً، ولن انتهي من كتابة هذه الزاوية، إلا وهم زادوا ألفاً آخر.
أزعم أن مشكلة الديموغرافيا العربية ستظل من دون حل، لأن الزيادة الهائلة في عدد السكان لن تتوقف، طالما أنها توفر للفقير الضمان الاجتماعي الذي لا توفره الدولة، فالفقير يحتاج الى أكبر عدد ممكن من الأولاد ليزيدوا من دخل الأسرة وليعتنوا به عندما يكبر. وهو لو اكتفى بولدين لربما كانا عاقين وتركاه، أما لو أنجب عشرة أو أكثر فلا بد من أن يكون بينهم أولاد صالحون يرعون والدهم عندما يعجز عن العمل.
وتصبح المشكلة معكوسة في الغرب، فهي عندهم تضاؤل عدد السكان، حتى أن بعض الدول الأوروبية يسجل نقصاً سنوياً لا زيادة. والحل في فتح أبواب الهجرة، إلا أن الدول الأوروبية تحتاج الى المهاجرين ولا ترحب بهم، مع ادراكها أن شعوبها تضم غالبية مسنّة، بعكس شعوبنا التي تتألف في غالبيتها من شباب ومراهقين.
وهكذا يصطدم الخَرَف الغربي بالمراهقة العربية في قضية لا حل لها.
الطاقة مشكلة أخرى من دون حل، وهي مشكلة تعني العالم العربي مباشرة، فعندنا أكبر مخزون من احتياط النفط في العالم، وظاهر هذا الواقع جميل، فهو يعني أن تستمر الدخول العالية من تصدير النفط وأن تزيد، إلا أن باطنه حافل بالخطر فامتلاكنا الطاقة يعني أطماعاً خارجية بنا وبحجم ما نملك من احتياط، ويكفي أن ننظر الى ما حل بالعراق لنعرف ما يدبر لكل دولة عربية منتجة.
كلامي السابق لا يعني أن تلقى هذه الدول مصير العراق، فبلاد الرافدين ابتليت بحاكم جمع بين الجهل والجريمة وسهّل مهمة أعداء بلاده، غير أنه لا يوجد مثله في أي بلد عربي آخر، ولا أتصور أن يوجد مستقبلاً.
أرجو من القارئ ان يصدقني، فلا طاقة بديلة، من شمسية أو قمرية أو غيرها، والطلب سيزداد، وسيواجه العالم كله ما واجهت الولايات المتحدة في الستينات، فهي بعد عقود من الاكتفاء الذاتي والتصدير تحولت الى الاستيراد، وأصبحت الآن تستورد 60 في المئة من استهلاكها على رغم التنقيب في الاسكا والاعتداء على البيئة هناك، واحتلال العراق لسرقة نفطه.
الصين وحدها تكفي مثالاً على الأزمة المقبلة، فالاستهلاك فيها بحدود 1.2 برميل للفرد في السنة، وهو لو ارتفع الى معدل تايلاند فقط، أو أربعة براميل للفرد، لاحتاجت الى استيراد ثلاثة أضعاف ما تنتج المملكة العربية السعودية الآن، وإذا رفعنا استهلاك الفرد فيها الى معدلات أوروبية تصبح الأرقام بلا معنى.
زيادة استهلاك الطاقة في الصين زاد من تلويثها الجو، ما يوصلنا الى قضية أخرى من دون حل هي الكارثة البيئية المقبلة، فكل الحديث عن خفض بث غاز ثاني أوكسيد الكربون في الجو هراء، ومثله الحديث عن وقف ارتفاع الحرارة. ولا أحتاج الى بحث كبير لأصل الى الحقيقة، فمن حصاد الأسبوع الماضي فقط هناك مادة كافية، وقد قرأت تقريراً رسمياً أميركياً يقول ان بث الغازات المضرّة سيرتفع من 7.7 بليون طن سنة 2000 الى 9.2 بليون طن سنة 2020، أي بزيادة 19.5 في المئة. وفي حين أن الصورة في بريطانيا أفضل، فهي تظل مهزوزة، وقد أثبت علماء بريطانيون عبر برنامج تلفزيوني أن تقديرات الحكومة متفائلة جداً، وأنها لن تنفذ التزاماتها للسنة 2020 قبل حلول العام 2050... اذا عشنا.
ولم أقرأ بعد عن دولة واحدة حول العالم ستنفذ التزاماتها بموجب معاهدة كيوتو، فالبيئة مشكلة أخرى من دون حل.
الارهاب حول العالم أيضاً لا حل له، والولايات المتحدة تقود تحالفاً عالمياً ضد الارهاب منذ 11/9/2001 نتيجته الأكيدة الوحيدة هي أن الارهاب زاد منذ بدأت الولايات المتحدة حربها عليه، وسيظل يزيد طالما أن الولايات المتحدة تمارس السياسات ذاتها التي أطلقت الارهاب أصلاً، ثم تحاربه بأساليب توفر للمنظمات الارهابية مزيداً من الاقبال عليها.
أدين الارهاب بالمطلق ولا أجد له أي عذر، ثم أقول إن الولايات المتحدة أطلقته وتساعد على استمراره.
أستطيع أن أزيد الجهل والفقر والمرض كقضايا من دون حلول، غير أنني وقد ضاق المجال أختتم بانتشار الأسلحة النووية، فهناك دول تسعى اليها ولا بدّ من أن تحصل عليها، ما يهدد السلام العالمي كله، واذا اخترت أن انتهي بإيجابية بعد السلبيات السابقة، فهي احتمال أن تجد الأسلحة النووية حلاً لمشكلة القنبلة السكانية، والله يرحمنا جميعاً.
التعليقات