(2 ـ 4)

عبد الرحمن الراشد

نعرف أن أسامة، الشاب العشريني، كان محل الاهتمام في البداية ليس لأسباب قيادية كما قيل، وذلك بحكم عمره الصغير، بل لأسباب سعودية. لأنه ينتمي إلى عائلة كبيرة معتبرة صار ثقة المهتمين بالحركة فكانت تنقل من خلاله النفقات المالية للقتال في دائرته من المجاهدين. أي انه، كما روى أحد رفاقه، لعب في شركة الحرب دور الإداري والمحاسب المالي. التقى حوله طلاب الحاجة ومن جيبه أنفقت التبرعات على التمويل والنشاطات العسكرية واللوجستية.

العديد من رفاقه الشباب عاد مبكرا، وكثير منهم قضى نحبه في معارك غير متكافئة، كانت تديرها عمليا الاستخبارات الأميركية تحت أسماء عربية وباكستانية وأفغانية. كانوا بيادق في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، لأن أفغانستان قبل الغزو الشيوعي لم تكن تجاري النموذج الإسلامي الذي جاءوا باسمه وقاتلوا وقتل كثير منهم لأجله.

ولا يستطيع أحد أن يقلل من التزامه العقائدي، ولا تجربته الشخصية، كونه ترك وراءه بيتا مترفا، وأما هو وحيدها واستمر في رحلته القتالية الطويلة. وهنا نراه صار محاربا محترفا، لأنه عاش كل عقده الثاني في جبهة القتال، بخلاف أقرانه من الأغنياء في جدة المنشغلين بآخر موديلات السيارات والرحلات الترفيهية.

بعد نهاية القتال، وخروج السوفييت من أفغانستان، نعرف انه عاد إلى السعودية بعد سبع سنوات من رحلة الحرب، وعوضا عن أن يعلق بذلة الحرب، كما يفعل الجنود النظاميون، انشغل بتسقط حديث الحروب. كانت الأزمة اليمنية في بدايتها بين اليمن الجنوبي الشيوعي واليمن الشمالي في إطار حرب الوحدة. وهنا لابن لادن، بحكم جذوره العائلية من اليمن الجنوبي، عاطفتان، الأولى تخليص ارض أجداده، والثانية مواصلة محاربة الشيوعية كما حاربها في أفغانستان. ولا اعتقد انه وهو في السابعة والثلاثين يقارن عندما انخرط في حرب أفغانستان في الخامسة والعشرين، عندما غادر بيت أهله لأول مرة إلى أفغانستان. هنا نرى جنديا محترفا وقائدا عقيديا يملك قناعات واضحة، ومع أننا لا نعرف له دورا في محاربة الشيوعيين اليمنيين، إلا ان هروبه من السعودية إلى السودان عام 92، كان إعلانا عن العصيان ونهاية لمشروع عودته إلى بيته في جدة التي وجد نفسه فيها فردا عاديا، لا زعيما. نعتقد انه قرر بشكل نهائي فحسم مشوار حياته وغايته، القتال حتى تأسيس دولته الحلم. كانت هناك جبهتان عربيتان مفتوحتان في الحرب ضد الجماعات المتطرفة، الأولى حديثة في الجزائر والثانية في مصر بدأت منذ سنوات. ونعرف أن التفجيرات التي نفذت في مصر كانت تشير إلى السودان كمصدر كان قد مر عليه، واشتبه في بن لادن كطرف فاعل عن بعد. وبحكم العلاقة السعودية المصرية الخاصة والحساسة لم يكن عند الرياض سوى خيار تحذيره بالكف عن الانغماس في التنظيم، وطلبت منه العودة، لكنه رفض وبقي في السودان تحت إدارة فيلسوف الحركة الدكتور حسن الترابي، الذي اشتهر باحترافه المؤامرات، وهو الذي دبر انقلابا على الحكم في الخرطوم قبل نحو أربع سنوات.