عندما تزور كثيرًا من البلدان الإسلاميّة تجد الناس لا يغلقون متاجرهم وأسواقهم وقت الصّلاة، إلا إذا حلّ وقت النّداء لصلاة الظّهر من يوم الجمعة، فإنّهم ساعتها يذرون البيع ويسعون إلى ذكر الله، حتّى تُقضى الصّلاة، حينها ينتشرون في الأرض طالبين quot;quot;فضل اللهquot;!
بمعنى إنّهم لا يغلقون المحال التّجاريّة إلا في وقت واحد في الأسبوع، وقد حدّثني الصّديق quot;الرّاويةquot; د. عدنان اليافي وغيره ممّن خبروا quot;جُدّةquot; ndash; بضمّ الجيم ndash; بأنّه حتّى بداية السّبعينات الميلاديّة كان النّاس في هذه المدينة المفتوحة على كلّ الألوان والآراء لا يغلقون محلاتهم وقت الصّلاة، وإنّما كانوا يصلّون على دفعتين، الدّفعة الأولى تُُسمّى quot;صلاة العُمّانquot;، ويقصد بهم مُلاك المحلات وأسياد العمل، أمّا الدّفعة الثّانية فكانت تُسمّى quot;صلاة الصّبيانquot;، ويُؤدّيها quot;عمّال المحلاتquot; الذين يحرسون المحال التّجاريّة حين يذهب quot;العُمانquot; لأداء فريضتهم، الأمر الّذي يجعل الصّلاة قائمة ودائمة!!
لا يجادل مسلم في أهمّية الصّلاة، ومع الجماعة تحديدًا، وقد تعارف أكثر النّاس وتربّوا في هذا البلد quot;الملبّد بالتّديّنquot;، أن يحافظوا على الصّلاة، جماعة، وأن يذروا البيع، ويسدلوا الأبواب على محلاتهم مع كلّ فرض صلاة.. إنّها quot;عادة محلّيةquot;، أصبحت من الثّوابت الّتي تميّز هذا المكان عن غيره من الأماكن.
وقد ارتضى المجتمع والزّائر والمقيم هذه quot;العادةquot;، وتآلفوا معها، بل أصبحوا يحرصون عليها ويتواصون بها، الأمر الّذي أمسى نظامًا آليًّا يتقاطع مع quot;مصالح النّاسquot;، ويحدّ تحرّكاتهم، ويرسم خطواتهم في البيع والشِّراء.
إنّه quot;أمر لا غبار عليهquot;، بل هو سنّة حميدة طالما أنّ النّاس استحسنوها وقبلوا بها.. ولكن أليس من العدل أنّ نظامًا صارمًا كهذا واجبٌ أن يُطبّق على كلّ quot;الوجوه التّجاريّة والدّوائر الاستثماريّة؟!!
وأعني هنا quot;مؤشّر تداول بيع وشراء الأسهمquot; فهو مكان للبيع والشِّراء، والفقر والإثراء، والكسب والإغواء، فهل يمكن المطالبة بإغلاقه وقت صلاة الظّهر حتّى تتاح للمستثمرين فرصة جميلة لأداء هذه الشّعيرة الجليلة.
بالله عليكم ما الفرق بين الحلاق وصاحب المطعم وبائع الفول وتاجر الحليب من جهة والمستثمرين في سوق الأسهم من جهة أخرى، أليسوا كلّهم مطالبين بترك البيع والسّعي إلى ذكر الله عزّ وجلّ.
إنّ تطبيق هذا الأمر في غاية البساطة، فكلّ ما يلزم هيئة سوق المال القيام به هو وضع شاشة بديلة وقت الصّلاة، مثل تلك الشّاشة الّتي تخرج علينا في التّلفزيون، على أن يتنبّه المتداولون إلى فارق التّوقيت، وطالما أنّ المُؤشّر في نزول وتردّد، والنّاس متلهّفون لاستعادة ما خسروه، فإنّ المحافظة على الصّلاة هنا تكون أوجب وأهمّ، لعلّ quot;الكريم الأكرمquot; يقبل دعاء الصّالحين، ويُعوّض الخاسرين، ويردّ رؤوس أموال جعلت تقلّباتُُ السّوق أصحابها من المفلسين.
إنّ تشريع هذا الأمر ليس مستحيلاً، فما على منسوبي هيئة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر إلا مراقبة جهاز استقبال الأوامر ورصد أيّ متداول يضع quot;أمرًاquot; وقت الفريضة لتتمّ quot;ملاحقتهquot; وإلزامه بغرامة ماليّة تذهب لصالح quot;هيئة الإغاثة الإسلاميّةquot;، طالما أنّ المخالفة وقعت في quot;هيئة سوق المالquot;، والقابض عليها quot;هيئة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكرquot;، كما يمكن أيضًا مراقبة غرف quot;البال توكquot; وإجبار روّادها على أداء الصّلاة جماعة، وكلّ هذه quot;التّجاوزات الآليّةquot; يمكن السّيطرة عليها آليًّا، فليست هناك حاجة quot;لجمسquot; أو زيادة أعضاء المراقبة، أو صرف بدل ميدان، وإنّما هو quot;برنامجquot; أو رقيب إلكتروني، يسير ولطيف، خفيف وظريف، دعنا نسمّيه quot;برنامج الحارس الأمين لمن يتخلّف عن أداء صلاة الظّهر من المتداولينquot;، والله من وراء القصد.
أحمد عبدالرحمن العرفج
[email protected]
التعليقات