السبت 24 مارس 2007
د. صالح عبد الرحمن المانع
ينتظم القادة العرب يومي الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من شهر مارس الحالي في مؤتمر القمة العربي الحادي والثلاثين، والذي أصبح تقليداً سنوياً للقادة العرب يجتمعون فيه، ويتدارسون شؤونهم وشجونهم من خلاله، طوال 64 عاماً فائته.
ويشهد هذا المؤتمر بروزاً لافتاً للدبلوماسية السعودية، التي استطاعت أن تملأ فراغاً عربياً تطمح من خلاله إلى العمل الدبلوماسي الدؤوب والهادئ، لإنهاء حالة الاحتقان التي تشهدها بعض البلدان العربية. فقد نجحت المملكة حتى الآن في وقف حالة الاقتتال بين أهم حركتين فلسطينيتين، quot;حماسquot; وquot;فتحquot;، بعد أن وقّعت هاتان الحركتان quot;اتفاق مكةquot; الذي نصَّ على إنشاء حكومة وحدة وطنية، تأخرت ولادتها لتحل قبل أسبوع واحد من عقد القمة.
وستكون هذه القمة فرصة ممتازة لإظهار الدعم العربي للحكومة الفلسطينية الجديدة، وبذل الجهود الدبلوماسية الحثيثة لرفع الحصار الاقتصادي المفروض عليها، ووصول المساعدات الدولية إلى الشعب الفلسطيني الذي أصبح غالبية أفراده يعيشون تحت خط الفقر، وقد اضطرت النسوة إلى بيع خواتم زفافهن حتى يؤمنَّ لقمة خبر لأطفالهن.
وإذا ما تحقق رفع الحصار الاقتصادي عن الفلسطينيين، فإن مسألة الاعتراف الدبلوماسي بالحكومة الجديدة ستكون لاحقة لرفع هذا الحصار. ولا يتوقع الكثير من المراقبين أن يتم رفع الحصار بشكل مباشر، ولكن كسر النرويج وليونة مواقف فرنسا وأسبانيا المبدئية تشير إلى تطور كبير في الموقف الأوروبي من الحكومة الجديدة. وستحاول إسرائيل التلكؤ وعدم الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية، وستحاول أيضاً جذب الولايات المتحدة إلى الموقف نفسه. إلا أن الولايات المتحدة هي أيضاً في موقف حرج في العراق، وهي بحاجة ماسّة إلى دعم القمة لحملتها العسكرية والدبلوماسية لتهدئة الأوضاع في هذا البلد المنكوب، لذا فإن واشنطن لن تكون في عجلة من أمرها لتليين موقفها من الحكومة الجديدة.
وطالما كسرت الدول العربية هذا الحصار المفروض على الفلسطينيين، فإن دولاً كثيرة قد تفعل الشيء نفسه، مما سيصبح محرجاً لكل من واشنطن وتل أبيب.
أما الموضوع الثاني الذي ستنظره القمة فهو إيجاد حلّ آني للمسألة اللبنانية المُعقدة. فالوضع اللبناني المُعقد يأخذ أبعاداً عربية وإقليمية، وهناك رغبة لدى كل طرف في إيجاد حل يخدم أهدافه، ولكن عقدة هذا الحل يتحكم فيها طرف آخر. وقد أسهمت القمة الإيرانية- السعودية قبل أسبوعين في إعطاء إشارات قوية للأطراف المعنية في الشأن اللبناني، بأن من مصلحة لبنان، لا بل من مصلحة المنطقة بأسرها، أن يكون هناك تفاهم بين الأطراف المختلفة، لتخفيف حدة الاحتقان الحالي والوصول حتى ولو إلى حلول مرحلية. وربما كان أيضاً من مصلحة القوى المعارضة وحلفائها الإقليميين، أن يتم النظر إلى المحكمة الدولية من بُعد جزائي بحت، وأن يتم تقليص الأبعاد السياسية لتلك المحكمة، بحيث تتركز مهمتها في تعقب المجرمين الحقيقيين الضالعين في مقتل الحريري وغيره من السياسيين والصحفيين اللبنانيين. وإذا ما نجحت المحكمة في بعدها الجزائي، وتم التوصل إلى الفعَلة الحقيقيين، فإن من شأن ذلك أن يعيد الاستقرار السياسي والاقتصادي إلى لبنان، ويعيد عجلة الاقتصاد إلى سابق عهدها، حيث أصبح اللبنانيون في أوضاع صعبة نتيجة اعتماد بلادهم شبه الكامل على السياحة وغيرها من الخدمات التي تتأثر بشكل مباشر بالاستقرار السياسي في البلد.
وستحاول القمة العربية أن تعيد طرح المبادرة العربية من جديد لتحرج كلاً من تل أبيب وواشنطن. وقد حاولت إسرائيل أن تجعل تطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع الدول العربية سابقاً لتحمل واجباتها القانونية كدولة محتلة، بإنهاء ذلك الاحتلال والالتزام بالشروط المعروضة في المبادرة العربية، والتي اعتمدت أصلاً على قرارات مجلس الأمن، وعلى إجماع دول العالم الحُر التي لم تخضع بعد للسيطرة الإسرائيلية.
أما إسرائيل فقد حاولت بدورها أن تجبر العرب على التخلي كذلك عن قرار مجلس الأمن 194 الذي ينصُّ على عودة اللاجئين، وتريد إسرائيل بذلك أن تقزِّم المواقف العربية حتى قبل أن تدخل في مفاوضات حقيقية مع أصحاب الشأن الرئيسيين وهم في هذه الحالة الفلسطينيون أنفسهم.
وبما أن الحالة العربية هذه الأيام هي حالة سلسلة طويلة من الأزمات فإن القمة ستنظر الوضع في العراق، وهي لن تتمكن من فعل الشيء الكثير لهذا البلد، ولكنها ستحاول دعوة العراقيين إلى نبذ العنف وجمع الكلمة وإنهاء ما يشبه الحرب الأهلية الحالية، والتي نشأت من تأصيل البعد الطائفي في المؤسسات السياسية العراقية، وفي دستورها، وممارساتها. ويمكن أن تساهم الدول العربية في تخفيف حالة الاحتقان الطائفي والمذهبي في العراق، والحيلولة دون انتشاره إلى بقية الأقطار العربية. فجرثومة الاقتتال الطائفي ستكون جرثومة قاتلة لعدد كبير من المجتمعات العربية، والعرب بحاجة إلى توحيد الكلمة ونبذ الفتنة بكل الصور الممكنة، سياسياً وإعلامياً.
وهناك مشاكل لا تستطيع القمة العربية أن تفعل من أجلها الكثير. ولعل من أهم هذه المشاكل تفاقم الأزمة النووية الإيرانية وإجماع المجتمع الدولي على إجبار طهران على التخلّي عن برنامجها النووي. ومع أن جميع الدول العربية لا ترغب في تطور الأمور إلى ما لا تُحمد عقباه، فإن هناك تبايناً في الرأي حول هذا الموضوع. فالرأي العام الخليجي يشعر بأن البرنامج النووي الإيراني يهدد المصالح الوطنية للبلدان الخليجية، مثله في ذلك مثل البرنامج النووي الإسرائيلي. أما الرأي العام في بعض بلدان عربية أخرى، فإنه يشجع امتلاك إيران للسلاح النووي ويعتقد، خاطئاً، أن مثل هذا السلاح سيكون رادعاً سياسياً واستراتيجياً للسلاح النووي الإسرائيلي.
لذلك فإن هذا التباين في الآراء سينعكس على قرارات المؤتمر، وربما يصل المؤتمر إلى صياغة قرار، أفضل ما يمكن أن يقال عنه إنه قرار توفيقي.
وهناك مشاكل أخرى خاصة بالسودان ورفضه المتواصل لمرابطة قوات تابعة للأمم المتحدة في إقليم دارفور. ومن المتوقع أن تدعم الدول العربية موقف الحكومة السودانية، وربما تطلب إليها التوصل إلى صيغة عملية للتعامل مع قرار مجلس الأمن في هذا الصدد، حتى لا تتعرض بدورها إلى إجراءات عقابية من المجلس.
ولاشك أن كلاً من الفلسطينيين واللبنانيين يحتاجون بشكل كبير إلى الدعم العربي، حتى ولو كان ذلك بشكل غير مباشر. فتطبيع العلاقات بين الدول العربية المعنية بالملفين اللبناني والفلسطيني من شأنه أن يهدئ الأمور خاصة على الساحة اللبنانية، ويخفف من عزلة بعض العواصم العربية. وهناك اجتماعات متواصلة بين قطبي المعارضة والموالاة اللبنانيين للوصول إلى تفاهم حقيقي قبل عقد القمة. وإذا ما نجحت القمة في تحقيق تقدم على المسارين الفلسطيني واللبناني، فإن ذلك يعتبر بحق إنجازاً سياسياً.














التعليقات