السبت 24 مارس 2007
د. خليفة علي السويدي
البكاء هو إحدى اللغات التي تستخدم لتوصيل رسالة فرح كما قال العربي قديماً:
طفح السرُور بي حتى أنه من عِظم ما قد سرَّني أبكاني
لكنه في الغالب رسالة تعبر عن مصيبة وقعت أو سوء حل، وهو الغالب على بكاء الناس. في هذا المقال، أركّز الحديث حول بكاء العروس في مجتمعنا كلغة تعبر بها عن الخوف والهلع، وربما الضيق والملل من المجهول. ولعلي قبل أن أبدأ المقال أشكر طلبتي في جامعة الإمارات، الذين شجعوني على الكتابة حول هذا الموضوع. ويبدو لي من حديثي مع طلبتي وجود معاناة لدى الجنسين، عبّر عن ذلك أحد الشباب بقوله: إن أحدنا لا يسمح له برؤية زوجته حتى يدخل عليها يوم الزواج ويرفع غطاء الوجه، وعندها إما أن يقول ما شاء الله تبارك الله، وذلك في حالة أنه رأى ما يسرّ، أو تكون بدايته صعبة، فيصرخ من أعماق قلبه اللهم حوالينا لا علينا. نعم فهل تتصور معي حياة زوجية تبدأ بهذا الشكل غير الشرعي والعقلي في نفس الوقت. وعندها يسأل الإنسان لِمَ برزت لدينا ظاهرة الطلاق أو الزواج مع وقف التنفيذ؟ إذا كان هذا هو حال الشباب كذلك، فإن المصيبة تكون أشد لدى الفتيات وهنّ سر هذا المقال.
الأصل في الزواج لغة الاقتران والازدواج، وقد جاء ذلك في قوله تعالى: quot;هنَّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنquot;. واللباس هو ما يلصق بالجسد دون حاجز على عكس الثوب، الذي يحول بينه وبين الجسد اللباس. وهذا يرسم لنا لوحة جملية بلغة القرآن الكريم عن حقيقة الزواج، ألا وهي الاندماج، ولكن مع من؟ والزواج الناجح هو الذي يقود إلى السكينة، وهي قرة العين والمودة أي صفو الحب والرحمة وبها قمة الأخلاق؛ (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم 21.
والسؤال الذي أطرحة في المقال هو: كيف تتحقق تلك الأمور بين اثنين لا يعرفان عن بعضهما بعضاً إلا القليل؟ والجواب هو فيما خطته الشريعة الإسلامية، فالزواج عند المسلمين يمر بمراحل لن أجتهد فيها، فأولها الخطبة، وهي عملية إظهار الرغبة في الزواج، وبعدها تبدأ عملية التعارف بين الزوجين، وعادة ما يخطب الإنسان عندنا لحسن ثناء سَمِعه عن تلك الفتاة، ولكنه لا ينبغي أن يقف عند هذا الحد، فكما أمر الله تعالى المرأة بالتحجب عن الرجال، أمرها بأن تنكشف لخطيبها، حتى يرى منها ما يرغبه فيها كالوجه والكفين، وإلا فإن الرجل هنا مُقبل على مجهول، فكيف يحب الإنسان من لم يرَه؟ وهل من حق الفتاة أن ترفض هذا الرجل؟ الجواب: نعم بكل تأكيد، فبالرغم من شرط موافقة ولي أمر الفتاه على الزواج، لكن ليس من حق الولي إجبارها على من لا تريد. وبعد أن يرى الرجل من الفتاة ما يرغبه فيها، لابد في تصوري من تواصل بعد الرؤية الأولى قد يستخدم البريد الإلكتروني، كي يعرف كل طرف من الآخر ما بداخله من أفكار، نعم، فالجسد له رونقه، غير أنه لن يستمر إلى الأبد. لكن جمال العقل هو ما يعيش مع الإنسان؛ فإنْ شعر الخطيبان بعدم الانسجام، فمن المهم عندها فض هذه الشراكة، وإنْ ارتاح الطرفان لبعضهما بعضاً جاءت فترة عقد النكاح، وهي فترة يسمح للرجل فيها بالتعمق في معرفة زوجة المستقبل طبعاً، وفق الضوابط الشرعية، فهنا حديث مباشر ونقاش مستمر لسبر ما يخفيه الجسد من مكنون، (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة...) quot;237 البقرةquot;، حيث تبين هذه الآية منزلة المرحلة، وإن استمر الحب في النمو، فقد جاء وقت البناء، وعندها يعلن الفرح حيث يكون الحبيب في شوق للقاء الآخر بعد طول فراق، فقد خلقنا الله تعالى كي نكون أزواجاً، وعندها ستبكي العروس لكن فرحاً.














التعليقات