جورج علم

ترك رئيس الجمهورية العماد إميل لحود الأبواب مفتوحة أمام كل المساعي الرامية الي إيجاد التسوية السياسية، والمشاركة في القمة العربية بوفد لبناني واحد، شرط ألا يفرض عليه فؤاد السنيورة كرئيس للحكومة، وهو الذي لا يقر بشرعيته، ولا بمشروعية حكومته منذ استقالة الوزراء الشيعة الخمسة، والوزير الأرثوذكسي السادس رياض الصراف.
كان الرئيس لحود ينتظر الفرج علّ الجهود الدبلوماسية تثمر في إيجاد مخرج للأزمة قبيل انعقاد القمة، لكن المداخلات الكثيرة حالت دون ذلك، واتضح في مابعد أن جهدا واحدا لا يكفي، وأن تحرك سفير دولة عربية من هنا وآخر من هناك هو لملء الفراغ السياسي، أكثر مما هو لإنضاج الحل، وأن أزمة معقدة ومتعددة الأطراف كتلك التي يشهدها لبنان لا يمكن معالجتها إلا بجهد مشترك يكون لكل طرف دوره، ونظرته للأمور، وعلي الرغم من كل ذلك صبر الرئيس لحود وتريث لعل ترياق الحل يأتي نتيجة جهود خارجية في اللحظة المناسبة قبيل انعقاد القمة؟!. ثم لماذا العجلة في تشكيل وفد أبتر يفتح الباب أمام احتمال مشاركة لبنان بوفدين متواجهين متخاصمين متباعدين الاول برئاسته، والثاني برئاسة السنيورة؟!.

ويشارك الرئيس لحود بلاءات خمس سيرفعها في الوقت المناسب داخل القمة إما من خلال الكلمة التي سيلقيها في الجلسة الافتتاحية أمام الملوك والرؤساء والقادة، أو في الجلسات المغلقة، وعندما يتوغل النقاش باتجاه مقاربة المواضيع الحساسة المطروحة علي بساط البحث.

اللا الاولي تتعلق برفض شطب بند حق عودة اللاجئين الفلسطينيين من مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت في العام 2002، والاصرار علي رفض التوطين خصوصا في لبنان واللا الثانية ضد معالجة العلاقات المتوترة بين الحكومة اللبنانية وسوريا عن طريق التحدي من خلال ما يتوافر في هذا الظرف من دعم دولي لقوي الرابع عشر من مارس، لاعتقاده الراسخ بأن سوريا لا تحكم من لبنان، ولبنان لا يمكن أن يحكم من سوريا، ولابد من الحوار كبديل عن الكيدية، ومن التفاهم كبديل عن التجاذب والتباغض لمعالجة العلاقات لما فيه مصلحة البلدين ومنفعتهما المشتركة. أما اللا الثالثة فهي ضد محكمة دولية خاصة يقررها مجلس الأمن تحت الفصل السابع لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري، ومع محكمة ذات طابع دولي بعد أن يتأمن الاجماع اللبناني حولها، والضمانات الدولية والاقليمية الوافية بحيث لا يشعر أي نظام عربي علي أنها مسيّسة، وبمثابة سيف مسلط فوق رأسه.

أما اللا الرابعة فهي ضد مؤامرة تقسيم لبنان وتفتيته تحت شعارات سياسية براقة يحملها سفير هذه الدولة الغربية الكبري، أو ذاك ويروح يطوف بها علي السياسيين والقياديين لمنع التلاقي والتفاهم والاتفاق والوفاق، ويسأل الرئيس لحود كيف يسمح القادة العرب في أن يتمثل لبنان بوفدين في قمة الخرطوم ليعود بعد عام بالتمام والكمال ليتمثل بوفدين في قمة الرياض؟، وهل أن أزمته مستعصية الي هذا الحد بحيث لا يمكن معالجتها إلا بعد انجاز التسوية الشاملة للصراع العربي - الاسرائيلي، وللملف النووي الايراني، وللوضع في العراق، وفي فلسطين ودارفور؟، أم أن هناك مخططا أقوي من الجميع يقضي بشرذمته بعدما أصبح العجز هو الصفة الطاغية علي كل الجهود التي بذلت وتبذل لايجاد الحل؟! أما اللا الخامسة فتتعلق بمحاولات ضرب السلم الأهلي وتأجيج الصراع الطائفي والمذهبي بين السنة والشيعة، وهذا اذا ما حصل لن يبقي حكرا علي لبنان، ولا داخل حدوده، بل سيتمدد ليشمل معظم دول المنطقة.

بدوره يذهب الرئيس السنيورة الي القمة بلاءات خمس أيضا الاولي أنه ضد أي حوار يؤدي الي تعديل نظام المحكمة ذات الطابع الدولي، ويفرغها من مضمونها، واللا الثانية ضد أي حوار مع سوريا يهدف الي إجهاض القرارات الدولية ولا يؤدي الي ترسيم الحدود، ووقف مسلسل التهريب، ومراقبة المعابر البرية الشرعية وغير الشرعية بين البلدين بإحكام، ومن قبل أجهزة متخصصة وموثوق بها وبقدرتها علي انجاز هذه المهمة، وإقامة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وبيروت، وحل عقدة هوية مزارع شبعا، وعدم تدخل سوريا في الشؤون الداخلية للبنان وتأليب فريق علي الفريق الآخر، وإقامة علاقات ندية قائمة علي الاحرام المتبادل أما اللا الثالثة فتتعلق برفض أي تسوية تكون علي حسابه أو حساب حكومته، ويدفع هو الثمن غاليا. أما اللا الرابعة فهي ضد أي مسعي يرمي الي تعطيل القرارات الدولية المتخذة لمساعدة لبنان، خصوصا القرارين 1559 و1701، والإصرار علي وضعهما موضع التنفيذ بالكامل، وتوثيق عري الانفتاح والتعاون مع الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي، وسائر عواصم دول القرار المتعاطفة مع حكومته، والمقاطعة للرئيس إميل لحود والمشككة بشرعيته، أما اللا الخامسة فضد أي تعاون مع سوريا وايران يرمي الي الابقاء علي سلاح حزب الله وعناصره المدربة، أو علي التمتع بنفوذ أو اختراق معين علي الساحة اللبنانية الداخلية إن علي المستوي السياسي أو الأمني أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي.

في ظل هذه اللاءات المتباعدة المتنافرة يأمل لبنان من القمة أن تدعم قيام علاقات طبيعية وصحية مع سوريا، والدول الشقيقة والصديقة علي أساس الاحترام المتبادل، والحرص علي السيادة والاستقلال والمصالح الوطنية وحسن الجوار والعلاقات الندية ويتوقع أن تؤكد الكشف عن الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ورفاقه، والجرائم الأخري التي ارتكبت، ومثول المتهمين أمام محكمة ذات طابع دولي، وتوافق اللبنانيين علي نظام هذه المحكمة التي ستنشأ استنادا الي قراري مجلس الأمن 1644 و1664 وبناء علي طلب الحكومة اللبنانية وفقا للأنظمة والأصول الدستورية، لينالوا عقابهم العادل بعيدا عن الانتقام والتسييس، ويساهم في إحقاق العدالة وتعزيز إيمان اللبنانيين بالحرية في بلدهم والتزامهم بنظامهم الديمقراطي وترسيخ الأمن والاستقرار في لبنان والمنطقة، والتأكيد علي حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الي ديارهم، والتحذير من أن عدم حل قضية المقيمين منهم في لبنان علي قاعدة عودتهم الي ديارهم وفقا لقرارات الشرعية الدولية ومباديء القانون الدولي أو محاولة توطينهم، يزعزع الامن والاستقرار في المنطقة ويعيق تحقيق السلام العادل فيها.

ويأمل الرئيس فؤاد السنيورة أن ترحب القمة بقرار حكومته تأليف فريق عمل مهمته التشاور والتنسيق مع ممثلي الجانب الفلسطيني لمعالجة المسائل الحياتية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية والأمنية للاجئين الفلسطينيين داخل المخيمات وللمقيمين منهم في لبنان بالتعاون مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا والتنويه بالمساعي التي قامت بها الحكومة اللبنانية علي هذا الصعيد والتشديد علي أهمية مواصلتها.

وحول أزمته السياسية الداخلية يأمل لبنان أن يحظي من القمة بدعم واضح وفق الآتي: انطلاقا من حرص الدول العربية علي الوحدة بين أبناء الشعب اللبناني بكافة فئاته وطوائفه، وصونا لسيادة وأمن واستقلال لبنان، وحفاظا علي اللحمة الوطنية بين جميع أبنائه، ونظرا لما يمثله من أهمية بالغة لاستقرار وأمن المنطقة، وكونه جزءا لا يتجزأ من أمته العربية، تدعو القمة العربية جميع الفئات والقوي اللبنانية الي الحوار الوطني والبناء علي ما يجمع اللبنانيين وكذلك علي ما تم تحقيقه علي صعيد بناء التوافق الوطني بهدف التوصل الي حلول عملية لتفويت الفرصة علي كل من يريد العبث بأمن لبنان واستقراره الوطني. كذلك تدعو القمة العربية جميع اللبنانيين الي توحيد كلمتهم والوصول الي حل للأزمة السياسية التي يمر بها لبنان وبما يمكنه من درء مخاطر الاضطرابات والانقسامات، ويحقق إعمال القانون وسيادته علي كامل الاراضي اللبنانية والالتزام بالدستور اللبناني واتفاق الطائف لحفظ أمن واستقرار ووحدة لبنان ومصالحه العليا، وتؤكد القمة اعتزام جميع الدول العربية تقديم كافة أشكال الدعم والمساندة الممكنة الي اللبنانيين لتحقيق ذلك وفقا لما جاء في قرارات القمة العربية السابقة والمجالس الوزارية .

إن ما يأمله لبنان ليس قرارات، ولا المزيد من قصاصات الورق، أو الوعود المعسولة التي تذهب أدراج الرياح... ما يريده واضح وبسيط جدا، ويتمثل باستحداث لجنة تنفيذية تراقب تنفيذ قرارات القمة لأن اللبنانيين يشعرون بأنه في ظل استمرار هذه الوتيرة من التعاطي اللامجدي مع مشكلاته الداخلية والخارجية خصوصا مع كل من سوريا واسرائيل، فإنه يخشي ألا يتمثل في القمة المقبلة بعد عام بوفدين فقط، بل أن يكون قد شطب نهائيا من خريطة المنطقة كبلد موحد سيد حر مستقل قابل للحياة وقادر أن يلعب دوره التقليدي كمختبر لحوار الحضارات والثقافات في المنطقة والعالم.