الخميس 29 مارس 2007
توماس فريدمان - نيويورك تايمز
في أفعال إدارة الرئيس بوش وما يكتبه مسؤولوها، هناك ما يقطع الأنفاس دهشة وخجلاً في بعض الأحيان، عند قراءة المرء لما يكتب. وبالنسبة لي، فقد كان ذلك المقال الذي نشرته صحيفة quot;نيويورك تايمزquot; في عددها ليوم 20 مارس الجاري، الذي تناول تلك الوثائق التفصيلية التي نشرتها لجنة تابعة لمجلس النواب للتو، بينت فيها ما يثبت مئات الحالات التي شارك فيها مسؤولون من البيت الأبيض، ممن كانت لهم علاقة سابقة بقطاع النفط، في تحرير وإعداد تقارير حكومية عن التغير المناخي، هدفت إلى إثارة الشكوك حول وجود أي دور أو مسؤولية بشرية فيما يتعلق بالتغير المناخي والإحماء الشامل، أو للتشكيك في وجود أدلة علمية على دور كهذا. من بين هؤلاء المسؤولين، quot;فيليب إيه كونيquot;، الذي غادر منصبه الحكومي في العام قبل الماضي 2005، بعد الكشف عن مخازيه هذه، في صحيفة quot;التايمزquot;. وكما هو متوقع، فسرعان ما تلقفته شركة quot;إكسون موبيلquot;. وقبل التحاقه بالعمل في البيت الأبيض، كان quot;كونيquot; رئيساً للفريق المناخي، بمعهد quot;أميركان بتروليومquot; الذي يعد ذراع الضغط النفطي الرئيسي لذلك القطاع الصناعي. وذكر المقال الذي نشرته quot;التايمزquot; وكتبه كل من quot;أندرو ريفكينquot; وquot;ماتيو والدquot;، أن quot;كونيquot; قال إنه لا صلة لنشاطه السابق المعادي لفرض أية قيود على انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، فيما نظمه من حملات ضغط نيابة عن قطاع النفط، بوظيفته الحكومية في البيت الأبيض. وقد ورد على لسانه قوله في الشهادة التي أدلى بها في هذا الصدد: quot;ما أن وصلت إلى البيت الأبيض، حتى تحول ولائي كله للرئيس بوش وإدارتهquot;. ولكن ماذا عن الولاء للعلم ومصداقيته، أيها السيد quot;كونيquot;؟ رداً على هذا السؤال، اجترأ quot;كونيquot; الذي يفتقر إلى أدنى خلفية علمية، على القول: quot;لقد بنيت تحريري لتلك التقارير الحكومية، على قناعتي بأحدث الحجج العلمية التي يعتد بها اليوم في مجال المعرفة العلميةquot;!
ولنلقِ الآن نظرة متفحصة على هذه الوقائع. فمن بين جميع أفراد طاقم إدارة الرئيس بوش، لم يعهد بتحرير التقرير الرسمي الخاص برؤية الإدارة للتغير المناخي، إلا إلى شخص سبق له أن عمل نيابة عن قطاع النفط، في إنكار حقيقة التغير المناخي من أساسها، وعلى رغم افتقاره لأية خلفية علمية، ثم ما أن انكشف أمره، حتى عاد أدراجه إلى معاقله النفطية السابقة التي وصل منها إلى البيت الأبيض، بالتحاقه مباشرة بالعمل مع شركة quot;إكسون موبيلquot;.. فهل من فساد فكري أبلغ وأكثر من هذا؟! وهل ثمة وضاعة أكثر من هذه، لأي سبب كان؟ إنني لأعجب كيف كان يمكن للسيد quot;كونيquot; أن يحرر مسودة ذلك التقرير الرسمي الأخير، الذي أعدته لجنة حكومية مشتركة، وشارك في مراجعته 1000 عالم مختص من مختلف أنحاء العالم، فيه علماء مختصون، وأعلنت نتائجه في مؤتمر دولي، تعاونت في عقده كل من جمعية الأرصاد الجوي الدولية، والأمم المتحدة. وقد شملت تلك النتائج، الإقرار بأن النشاط البشري، يعد المسؤول الأول عن ظاهرة الإحماء الشامل، وكذلك أن التغير المناخي قد بدأ يلقي بآثاره السالبة على النظم الطبيعية والبيئية في جميع قارات العالم.
وعلى رغم أنني لا أروِّج لأي حزب من الأحزاب هنا، إلا أن قراءة مخازٍ كهذه عن quot;كونيquot; وأمثاله من المسؤولين quot;الجمهوريينquot;، إنما تحمل المرء على أن يشكر الرب على عودة quot;الديمقراطيينquot; للهيمنة مجدداً على كل من مجلس الشيوخ والنواب. والسبب أن هذا السجل المخزي لمسؤولي الإدارة وممارساتهم في هذا الجانب، إنما يتطلب اليقظة والرقابة الدائمة التي لا تنام على أفعالهم وسلوكهم. غير أن عليَّ أن أشكر الرب أيضاً، على تمكن أرنولد شوارزينجر، حاكم ولاية كاليفورنيا، من إنشاء تحالف ثنائي حزبي في ولايته، من أجل التصدي لمشكلة التغير المناخي. وبمبادرته هذه، لا يسهم شوارزينجر في إنقاذ سمعة الحزب quot;الجمهوريquot; من عار سيطرة كبار معارضي سياسات موجهة التغير المناخي، من شاكلة السيناتور جيمس إنهوفي، وquot;كونيquot; فحسب، وإنما هو أيضاً يمضي في إنجاز عمل ثنائي حزبي خلاق في مناهضة التغير المناخي، سرعان ما يقابل بالترحيب والإشادة في واشنطن، ما أن تذهب إدارة بوش الحالية. وكنت قد ذهبت إلى quot;ساكرامنتوquot; قبل بضعة أسابيع، بغرض إجراء حوار صحفي مع حاكم الولاية. فقال لي شوارزينجر: لا وقت للحوار الآن. وأعني بهذا، كم يلزمنا من آلاف العلماء ليخبرونا اليوم عن إجرائهم لدراسة علمية مختصة بالإحماء الشامل؟ ومضى الحاكم قائلاً: إن أكثر ما يدهش شخصاً غير سياسي مثلي، أن يرتسم هذا الخط الدقيق الفاصل بين quot;الجمهوريينquot; وquot;الديمقراطيينquot; فيما يتعلق بسياسات كليهما في مجال البيئة والتغير المناخي! لكن وعلى رغم ذلك، فها هو المزيد من quot;الجمهوريينquot; يشرع في الانخراط في صفوف العاملين من أجل حماية البيئة والتصدي لخطر التغير المناخي. بل إن ما يدعو إلى الغبطة حقاً، تعاون المزيد من quot;الجمهوريينquot; وquot;الديمقراطيينquot; معاً في العمل المشترك في هذه القضايا. وذكر لي المتحدث أنه قال في كلمته الافتتاحية لتسلم منصبه كحاكم لولاية كاليفورنيا: quot;ليس هناك ما يمكن تسميته بالهواء الديمقراطي النقي، أو الهواء الجمهوري النقي.. فجميعنا يتنفس الهواء ذاته، بصرف النظر عن انتمائنا السياسي. ولذلك فإن علينا أن نتضافر معاً ونعمل سوياً على حل هذه المشكلة. ولنتعاون معاً كذلك في درء خطر الإحماء الشاملquot;. وضمن تلك المبادرة، فقد وقع شوارزينجر على quot;قانون حلول الإحماء الشاملquot; لعام 2005، وهو القانون الذي يتوقع لولاية كاليفورنيا، خفض انبعاثاتها من غازات بيت الزجاج، بنسبة 25 في المئة، بحلول عام 2020. فهل يذهب بقية الحكام والمسؤولين الأميركيين، إلى ما ذهب إليه شوارزينجر في درء هذا الخطر القومي والعالمي؟
التعليقات