جهاد الخازن

القادة العرب قالوا ما عندهم باعتدال ومسؤولية، وبقي أن تكون وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس قادرة على تنفيذ وعودها للمسؤولين العرب في جولتها الأخيرة في الشرق الأوسط، وعلى التجاوب مع ما سمعت منهم، وما تمخضت عنه القمة.

أقول laquo;ليت كوندي أنجزتنا ما تعدraquo;، وثقتي بصدق نواياها أكبر من ثقتي بقدرتها. فمع الصعوبات القديمة والباقية أمام تسوية النزاع العربي ndash; الاسرائيلي، هناك صعوبة أميركية هائلة، فإدارة بوش أصبحت فريقين نقيضين، والمتطرفون بقيادة نائب الرئيس ديك تشيني يبقون فريقاً فاعلاً مسموع الكلمة على رغم ما جرّت سياستهم من كوارث على الولايات المتحدة والعالم، ويقابلهم laquo;الواقعيونraquo; من نوع الدكتورة رايس ووزير الدفاع روبرت غيتس والمهنيين المحترفين في وزارة الدفاع وأجهزة الاستخبارات. والقادة العرب يعملون مع فريق، إلا أن عليهم أن يتذكروا دائماً وجود الفريق الآخر.

عصابة الحرب تحترف الجريمة، وستحاول تعطيل أي تقدم أو اتفاق في الشرق الأوسط، لأنها لم تتخلّ بعد عن احلام الأمبراطورية وتقديم مصلحة اسرائيل على كل مصلحة أخرى، بما فيها المصلحة الأميركية.

لن أذهب بعيداً وإنما أكتفي اليوم بمختارات من خطاب تشيني في المؤتمر السنوي للوبي اليهودي الرسمي ايباك، اسجل قبلها أن ظهور نائب رئيس أميركي في مثل هذا المؤتمر اهانة للدستور الأميركي ولحكم القانون، لأن اللوبي متهم بالتجسس على أميركا لمصلحة اسرائيل في شخص اثنين من أركانه (السابقين) الكبار وهما ستيفن روزن وكيث فايسمان.

تشيني بدأ خطابه متغزلاً باللوبي ورجاله، ومرحباً بالجواسيس من دون أسماء، وأكمل قائلاً: laquo;إن اعضاء ايباك يلعبون دوراً حيوياً في تقديم القضية الاستراتيجية الأخلاقية للصداقة بين أميركا وإسرائيل..raquo;.

أقول إن القضية اللاخلاقية المشتركة هي احتلال الأراضي الفلسطينية واحتلال العراق، وقتل النساء والأطفال الفلسطينيين ومعهم مئات ألوف العراقيين.

وينقل تشيني عن الرئيس بوش رؤيته قيام دولتي فلسطين وإسرائيل جنباً الى جنب، وبسلام وديموقراطية، ثم ينقل عن آرييل شارون قوله إن الدولة الديموقراطية تحتاج الى حماية مبادئها ونفسها اذا شاءت أن تبقى.

وأقول إنها ديموقراطية القتل والاحتلال وبشهادة الإسرائيليين الطيبين أنفسهم، فهم الذين يرصدون قتل المدنيين ويصورون العذاب النفسي والجسدي اليومي على الحواجز، ويعارضون تطرف حكومتهم.

تشيني يقول إن صفات الأميركيين والاسرائيليين تختبرها كل يوم الحرب على الإرهاب، ويتحدث عن خطف laquo;حزب اللهraquo; جنديين اسرائيليين وخطف laquo;حماسraquo; جندياً، ويربط ذلك بالحرب العالمية على الإرهاب التي تستهدف الولايات المتحدة، ويتحدث عن laquo;ارهابييraquo; حزب الله ثم يكمل بطالبان والقاعدة في خلط متعمد.

أقول إن laquo;حماسraquo; و laquo;حزب اللهraquo; حركتا تحرر وطني في وجه الإرهاب الإسرائيلي، وأرقام القتلى من المدنيين، فلسطينيين ولبنانيين وإسرائيليين، تظهر أن حكومة إسرائيل سبع مرات أكثر ارهاباً من جميع الفصائل الفلسطينية واللبنانية مجتمعة. ولا أنسى دور تشيني نفسه وعصابة المحافظين الجدد في الإدارة وحولها في تشجيع الإرهاب الإسرائيلي ضد المدنيين.

أرشح تشيني لجائزة أوقح أهل الأرض فهو يتحدث عن ثلاث عمليات انتخاب واستفتاء في العراق السنة الماضية كإنجاز، ثم يحمل على بن لادن و laquo;القاعدةraquo;، وهو الذي أتى بالإرهابيين منها الى العراق.

أسأل ما فائدة ثلاثة انتخابات أو ثلاثين اذا كان البلد يدمر كل يوم ويذبح أهله؟ أسأل واتهم تشيني شخصياً بالسعي الى حرب غير مبررة مع العراق قُتل فيها حتى الآن أكثر من ثلاثة آلاف جندي أميركي ومئات ألوف العراقيين، وشردت الطبقة المتوسطة، وحرمت العراق من مفكريه، وأسفرت عن دخول laquo;القاعدةraquo; العراق، أي أن تشيني نفسه هو الذي أدخلها بعد أن كذب عشية الحرب زاعماً أن هناك علاقة بين نظام صدام حسين و laquo;القاعدةraquo;. وهو أيضاً مسؤول عن أي اقتتال سنّي ndash; شيعي، بعد أن أوجدت الإدارة الأميركية نظاماً طائفياً لم يعرفه العراق من قبل.

خطاب تشيني تنقل بين وقاحة وأخرى أكبر منها، وهو قال لمستمعيه الجواسيس والإسرائيليين إن هناك خرافات عن الحرب على الإرهاب يجب دحضها، أولها أن العراق لم تكن له علاقة بالإرهاب العالمي.

وأقول إن هذا دعاية غوبلزية تكرر حتى يصدقها الناس، فعراق صدام حسين لم تكن له علاقة بالإرهاب العالمي، مع أن صدام حسين نفسه مجرم ألف مرة ويستحق الإدانة.

وخرافة ثانية هي أنه يمكن دعم القوات الأميركية من دون مدها بالتعزيزات، وهذا كلام صحيح لولا أنه صادر عن هارب من الجندية يضحي بأرواح أبناء الآخرين بدل أن يرسل ابنتيه الى الجبهة في العراق.

أما الخرافة الثالثة فهي أن الإنسحاب من العراق سيقوي موقف أميركا في الحرب على الإرهاب. ولا أعرف شخصياً الجواب، فأنا لست في صفاقة تشيني لأتحدث عن أمور عسكرية، وما أعرف يقيناً هو أن انسحاب الأميركيين من العراق لن يزيد سوء الوضع، فقد دمرت عصابة الحرب مستقبل العراق ولم تترك زيادة لمستزيد.

يختتم تشيني خطابه بوقاحة أخرى فهو يستشهد مرة أخرى بمجرم الحرب شارون ويقول إنه laquo;رجل شجاعة، رجل سلام، ويبقى في فكرنا...raquo;.

كلاهما مجرم حرب، وكل منهما عار على بلده، فأميركا ديموقراطية رائدة وقدوة لنا، حتى وصل الى الحكم أمثال تشيني، واسرائيل ستجنح الى السلام، كما يُظهر كل استطلاع للرأي العام فيها، لولا أمثال شارون وايهود أولمرت.

هل تستطيع كوندوليزا رايس وفريقها تقديم عرض السلام على رغم ديك تشيني؟ أفضل ألا أجزم برأي وإنما انتظر النتائج.

وأقول للقارئ الذي نكدت عليه صباحه بحديثي عن تشيني إنني سأُكمل غداً برجل سلام هو جورج سوروس.