عبدالله بن بخيت

قرأت بعض السجالات التي ظهرت فور إعادة تأكيد الفتوى الشهيرة التي تنصّ على جواز الزواج بنيّة الطلاق. ومن جملة ما جاء في السجال الإشارة إلى قول الرسول الكريم: (الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس). هذه الحكمة العظيمة تلخص النظام الأخلاقيّ الذي ينتظم العلاقة بين الناس. لم أصادف في كلّ الكتب والفلسفات التي قرأتها تعريفاً للإثم بهذا المستوى من الشمولية والبساطة. تشكل هذه الحكمة مقياساً داخلياً يخاطب الضمير نفسه. تضع الإنسان (حتى غير المسلم) أمام مسؤولياته دون تدخّل من سلطة خارجية. أقترح على كل طالب سعوديّ يريد الأخذ بفتوى جواز الزواج بنية الطلاق أن يكتب هذا الحديث بخط واضح، وأن يضعه في برواز على (الكمدينة) في غرفة نوم الزوجية. وأن يضع على (الكامدينة) الثانية بروازاً آخر يخط فيه فتوى الشيخ بنفس الوضوح. هذه الطريقة ستساعد الطالب المبتعث على أن يحدد مسار ضميره وإلى مَن تكون تبعيته الدينية والأخلاقية.

المبتعث إلى أمريكا غير المجاهد في أفغانستان. وفي الوقت نفسه أمريكا غير أفغانستان، وبنفس الفرق؛ فالقانون في أمريكا (الذي يحدّد الزواج والطلاق) لا علاقة له بالقانون في أفغانستان. كما أن مبتدأ العلاقة بين الرجل والمرأة وطريقة التعارف والخطوبة تختلف في أمريكا عنها في أفغانستان. والمرأة في أمريكا لا تشبه المرأة الأفغانية إلا في المسألة البيولوجية، أما في ما يخص الإحساس بالذات والقيمة الإنسانية والوقوف أمام القانون فلا علاقة بين المرأتين. القائمة لن تنتهي لو تأملنا في الفروق بين الوضع في أفغانستان والوضع في أمريكا.

الزواج في الولايات المتحدة هو علاقة فردية بين الرجل والمرأة لا يدخل فيها ترتيبات العائلة أو الخطّابات؛ فالرجل سوف يلتقي بالمرأة في الشارع أو في الكلية أو حتى في مرقص، ولن توافق الأمريكية على الزواج من الرجل أياً كان إلا بعد أن تتعرف عليه عبر لقاءات متعددة حتى بلوغ مرحلة القبول أو الحبّ. هذه المسافة الزمنية والعلاقة الحميمية الواقعة بين مرحلة التعارف الأولى حتى الزواج لا تغطيها فتوى الزواج بنية الطلاق. أما إذا أجازت الفتوى المرور بهذه المسافة فعندئذ تنتفي الحاجة إليها؛ لأن أساس الفتوى هو الإشباع الغريزي، وهذا يصبح ماضياً؛ لأنه يتم قبل الزواج في أمريكا. والطلاق في أمريكا ليس مجرد أن (ينطل) عليها ورقتها ويحزم عفشه ويرحل، وإنما إجراءات طويلة ومعقدة تنتهي باتفاق على أشياء كثيرة بين الطرفين. وأذكر أنه يدخل فيها الإنتربول إذا لزم الأمر. وعلى الطالب الذي سيأخذ بالفتوى أن يعرف أن أمريكا والمملكة موقعتان على بروتوكول تسليم الهاربين من وجه العدالة.

تابعنا قبل فترة الورطة العظيمة التي انتهت بالطالب السعودي إلى السجن المؤبد لمجرد الاختلاف بين النظرة للخادمة في المملكة والنظرة إليها في الولايات المتحدة. والطالب السعودي الذي سيأخذ بفتوى الزواج بنية الطلاق عليه أن يتذكر أنه سيمرّ على كل الإجراءات القانونية التي تنظم الزواج (لن يبقى بعيداً عن القانون الأمريكيّ إلا ما حاك في نفسه)، وما حاك في نفسه مسألة شخصية صرفة مرجعها للضمير، أما بقية الأمور فسوف تفصل فيها المحاكم الأمريكية. استغلال جسد المرأة (الإنسان) والتمتع به ثم الهروب منه ليس أمراً ميسوراً في أمريكا (وبلاد الغرب كافة) كما هي الحال في أفغانستان.

***