الأربعاء 11 أبريل 2007
أفيشين مولافي - واشنطن بوست
عندما زار الرئيس الصيني quot;هو جنتاوquot; مقر شركة quot;أرامكوquot; السعودية العملاقة العام الماضي، فإنه لم يكن بحاجة إلى مترجمين حيث كان هناك بالفعل عدد من المترجمين السعوديين الذين يجيدون الحديث باللغة الصينية. وكانت شركة quot;أرامكوquot; قد أرسلت منذ سنوات خلت العشرات من موظفيها للدراسة في بكين، لإدراكها أن الصين- وليست الولايات المتحدة- هي في خاتمة المطاف السوق الذي سيستوعب الصادرات النفطية السعودية المتنامية في المستقبل.
في الوقت ذاته، يرسل السعوديون طلاباً للدراسة في الهند والصين وماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية، وثلاث من هذه الدول- الهند والصين وماليزيا- كانت من بين أولى الدول التي زارها العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز بعد أن صعد إلى سدة الحكم في بلاده عام 2005.
والطلاب السعوديون يمثلون جانباً صغيراً من جوانب الممر التجاري الجديد بين الشرق الأوسط وآسيا، والذي أصبح يُطلق عليه quot;طريق الحرير الجديدquot; وذلك بعد أن تضاعفت التجارة والاستثمارات بين المناطق الواقعة عليه أربع مرات خلال العقد الماضي، كما ينتظر أن تستمر في النمو والتضاعف بشكل دراماتيكي سنوياً حتى عام 2020 بحسب مستشار الإدارة المعروف quot;ماكينزي وشركاهquot;.
ويذكر أن العناوين الرئيسية في صحف إمارة دبي التي أقوم بزيارتها حالياً قد تركزت خلال الشهر الماضي، ليس على العراق، ولا على دبلوماسية السلام بين العرب وإسرائيل، وإنما على الزيارة التاريخية التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي- إلى الهند. ومن بين عشرات الاتفاقات التي تم توقيعها أثناء هذه الرحلة كان هناك اتفاق بخصوص مشروع عقاري قيمته 20 مليار دولار لإنشاء ثلاث مدن سكنية متكاملة على مساحة 40 ألف فدان في ولاية quot;ماهارا شاتراquot;.
وطريق الحرير الجديد لا يؤدي فقط إلى تنشيط الاقتصاد فحسب (يتوقع أن تؤدي الصفقة الإماراتية مع الهند إلى خلق 100 ألف وظيفة جديدة)، ولكنه يساهم في تغيير المشهد الجيو- اقتصادي والجيو- سياسي للشرق، وهو ما يؤدي بدوره إلى تداعيات خطيرة بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة الخارجية.
وطريق الحرير الجديد نشأ إلى حد كبير بسبب تقاطع النمو الاقتصادي للصين والهند مع الزيادة في أسعار النفط. وقد أدى النمو الاقتصادي وزيادة أسعار النفط إلى امتلاء خزائن الصين ودول مجلس التعاون الخليجي الست (السعودية، الإمارات، الكويت، قطر، البحرين، عمان) بكميات هائلة من الأموال. علاوة على ذلك، فإن احتياجات الصين والهند المتزايدة من الطاقة ستضمن استمرار نمو اقتصاد دول مجلس التعاون، الذي يعد في مجمله، الاقتصاد السادس عشر من حيث الترتيب في العالم. وتشير التنبؤات إلى أن الصين ستستورد بحلول 2025 كميات من النفط من منطقة الخليج تعادل ثلاثة أضعاف الكميات التي ستستوردها الولايات المتحدة.
والمعادل لمراكز استراحة القوافل القديمة على طريق الحرير الجديد، هو ما يطلق عليه في الوقت الراهن quot;الرابحون الإقليميونquot; أو النجوم الصاعدة والتي تشمل مدنا مثل: أبوظبي، دبي، بكين، مومباي، تشيناي، طوكيو، الدوحة، كوالالمبور، سنغافورة، هونج كونج، الرياض، شنغهاي. أما مراكز استراحة القوافل القديمة على طريق الحرير القديم، مثل فارس (إيران)،والشام (لبنان وسوريا والأردن)، وبلاد ما بين النهرين(العراق)، فهي تتراجع وتخلي الطريق للمراكز الصاعدة. ويمكن القول إن دبي قد غدت العاصمة غير الرسمية للشرق الأوسط على طريق الحرير الجديد بعد أن تحولت إلى نقطة تجمع للأموال، والأفكار، والتجار، الذين يدفعون النمو قدماً للأمام. أما إيران التي كانت قوة مركزية ذات يوم فإنها تحولت الآن إلى رجل مريض وإن كان لا يزال ذا إمكانيات كامنة ضخمة.
وقد قام مستثمرون من دول مجلس التعاون الخليجي- ولا يزالون- بضخ أموال في المجال العقاري والمصرفي والبنى التحتية في مختلف أرجاء آسيا. فسلطة الاستثمار الكويتية على سبيل المثال لا الحصر، وهي أكبر مستثمر في البنك الصناعي التجاري الصيني، ضاعفت استثماراتها في آسيا في السنتين الماضيتين. علاوة على ذلك، صرح مسؤول في دبي الشهر الماضي بأن بعض دول مجلس التعاون الخليجي تفكر في شراء quot;اليوانquot; الصيني لتنويع احتياطياتها النقدية. في نفس الوقت تنشط الشركات الصينية والكورية والهندية واليابانية في العديد من المجالات في الشرق الأوسط منها على سبيل المثال المجال العقاري والمنتجات الاستهلاكية والاستثمارات الصناعية. علاوة على ذلك لوحظ أن الصين ومصر وهما من الدول المهمة على طريق الحرير القديم، قد انتفضتا تواً من سباتهما الطويل، ووعدتا بمضاعفة التجارة خلال السنوات القليلة القادمة.
في الوقت الذي تجري فيه التطورات أدلىquot;نيكولاس بيرنزquot; وكيل وزارة الخارجية الأميركية بتصريح في شهر فبراير الماضي قال فيه: إن الأزمة العراقية، والصراع الإسرائيلي- الفلسطيني والخلاف في لبنان، والملف الإيراني تقع في صلب انشغالات الوزارة في منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن، وأن كبار المسؤولين الأميركيين يضيعون قدراً كبيراً من وقتهم على معالجة تلك الأزمات.
من دواعي الإنصاف القول إن هذه القضايا كلها حرجة، ولكن عندما يركز الجهاز البيروقراطي للشؤون الخارجية الأميركية بشكل رئيسي على إطفاء حرائقها المشتعلة، فإن الأمر المؤكد أنه لن يكون لديه ما يكفي من وقت للاهتمام بالاتجاهات والصلات عبر الإقليمية. فالفوائد التجارية ليست هي وحدها الفوائد التي يمكن لأميركا أن تجنيها من طريق الحرير الجديد، وإنما هناك فوائد أخرى منها توسيع نطاق الأمن الأميركي ذاته.
فأهمية الأمن في منطقة الخليج العربي بالنسبة لبكين ونيودلهي اليوم لا تقل عن أهميته بالنسبة لواشنطن. فالصين لن تقنع بعد الآن بالمكوث تحت المظلة الأمنية الأميركية في الخليج، وهو ما ينطبق أيضاً على الهند التي بدأت بالفعل بالقيام بدوريات بحرية واثقة في بحر العرب. علاوة على ذلك يجب على الأميركيين ألا ينسوا أن الصين والهند لهما نفوذ على إيران يفوق النفوذ الأميركي على تلك الدولة، وأنهما أقل صبراً على تحمل حرب مدمرة تندلع في منطقة الخليج. ثم علينا ألا ننسى أيضاً أن كثيراً من النخب السياسية في الجمهورية الإسلامية، هي في ذات الوقت نخب تجارية تتعطش لإيجاد مخرج من النزاع. إن رسم ممر نحو المزيد من التكامل في طريق الحرير الجديد، سوف يكون إجراء ذا تأثير على تخفيف غلواء القيادة الإيرانية، يفوق بكثير تأثير عزل تلك القيادة. يمكن للولايات المتحدة أيضاً أن تنظر في إمكانية القيام بجهود ترمي إلى إغراء دول مجلس التعاون الخليجي وجذب رؤوس أموالها إلى نصف الكرة الغربي، الذي تقع فيه الولايات المتحدة. وإذا ما تذكرنا أن الرئيس بوش قد وعد مؤخراً بتقديم المساعدة للتطوير الاقتصادي لأميركا اللاتينية، فإنه يمكن القول إنه قد يكون من المفيد لأميركا، في هذا السياق أن تعمل على إيجاد صلات وصل بين الاقتصادات الأميركية اللاتينية البازغة وبين شبكات رؤوس الأموال الخليجية بما يؤدي في النهاية إلى خلق طريق حرير عالمي جديد.
مع استمرار نمو quot;طريق الحرير الجديدquot; في الشرق، فإن المزيد من مثل تلك الفرص ستظهر، غير أن المشكلة تتمثل في أن أميركا، قد تكون منهمكة في إطفاء الحرائق المندلعة في الشرق الأوسط بالقدر الذي قد يحجب عنها رؤية مثل تلك الفرص.
التعليقات