الأثنين 16 أبريل 2007


د. خليل حسين

ثمة أسئلة كثيرة تثار حول خلفيات تقديم الأكثرية النيابية بعريضة إلى مجلس الأمن الدولي في ظروف يحتاج فيها لبنان إلى الجهد الكبير للملمة أوضاعه الداخلية وإبعاد التدخلات الخارجية من أي جهة أتت، لا سيما وان لهذه العريضة خلفيات وتداعيات كثيرة وكبيرة يمكن أن ترخي بظلال كثيفة على ما تبقى من قنوات اتصال وتواصل بين الأطراف الداخلية. فما هي القيمة القانونية لهذه العريضة وكيف يمكن توصيفها؟ وما هو دور مجلس الأمن لاحقا؟ وما هي خلفياتها وتداعياتها المستقبلية؟ وهل أن هذه الخطوة بالذات تخدم الأهداف التي أنشئت المحكمة لأجلها؟

فمن حيث المبدأ تعتبر العريضة المقدمة للأمين العام للأمم المتحدة من الناحية الدستورية والقانونية لا قيمة لها، باعتبارها صادرة عن سلطة غير ذي صلة بالموضوع المقدم. فمن الناحية الدستورية والقانونية يعتبر رئيس الجمهورية صاحب الصلاحية في التفاوض مع الجهات الخارجية وفقا لنص المادة 52 من الدستور، إضافة إلى أن العلاقة في الأساس مع الأمم المتحدة هي من اختصاص إجرائي، المتمثل في هذه الحالة بالحكومة وتحديداً بوزارة الخارجية، أما الأمر الثالث فإن صلاحية مجلس النواب تُختصر فقط في الإبرام النهائي إذا كانت المعاهدة ترتّب أعباء مالية على الدولة ولها أصول وآليات حددها الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب. لذا فإن العريضة المقدمة لا محل لها من الإعراب القانوني، فهي ليست ملزمة للأمين العام للأمم المتحدة ولا لمجلس الأمن. وفي أحسن الأحوال لا يمكن البناء عليها إلا من وجهة سياسية بحتة يمكن أن تؤخر إقرار المحكمة ولا تستطيع تقديمه.

فمن الناحية السياسية يمكن قراءة العريضة على أنها إعلام الأمين العام بأن نصاب إقرار المحكمة في المجلس النيابي هو مؤمن من الناحية العملية بسبعين نائبا، والدعوة إلى إقرار نظام المحكمة بعيدا عن المعاهدة الموقعة بين الحكومة والأمم المتحدة. وإذا كان التوصيف القانوني والسياسي لهذه العريضة لا يخرج عن هذا الإطار فما هي خلفياتها وتداعياتها؟.

من الواضح أن مجلس الأمن يصدر قراراته ضمن إطارين محددين في الميثاق الأممي، فوفقا للفصل السادس يتطلب تطبيق أي قرار صادر عن مجلس الأمن موافقة الأطراف المعنية به. فيما القرار الصادر وفقا للفصل السابع يعتبر ملزما لكافة الدول العمل على تطبيقه إضافة إلى الأطراف المعنية به. ومن هذا المنطلق إن أولى الخلفيات موجهة إلى الدول التي لا تعتبر نفسها معنية به. ولو استثنينا الدول العشر التي تمَّ توصيفها بأنها غير متعاونة في تقرير المحقق الدولي سيرج برامرتز، فإن سوريا هي المعني الأول به. فعلى الرغم من ذكر التقرير السالف الذكر بأن التعاون السوري كان مقبولا، فإن تصريحات معظم قياداتها تشير بشكل واضح وصريح إلى أن سوريا غير معنية بالمحكمة وليست طرفا فيها، وبالتالي إن السلطات القضائية السورية هي صاحبة الصلاحية بمحاكمة أي مسؤول إذا ثبتت التحقيقات إدانته. وعليه إن العريضة المقدمة من الغالبية النيابية اللبنانية من الصعب فصلها عن هذا الهدف بالذات باعتبار أن إقرار المحكمة ونظامها في الحدود القانونية الحالية لا يلزم سوريا في مراحل لاحقة وإن كان مبدئية إنشاء المحكمة اتخذ في القرار 1644 وفقا للفصل السابع من ميثاق

المنظمة. وفي أي حال إن إقرار المحكمة في الفصل السابع يعني فيما يعني وضع سوريا في مواجهة مجلس الأمن بشكل مباشر، ويجبر سوريا على قول كلمتها في شأن المحكمة بعدما أوضحت أن لا ملاحظات لديها وأن توجّسها يكمن في استهداف بعض الأطراف اللبنانيين من حلفائها في عملية الاغتيال.

إن تداعيات كثيرة ستظهر في حال تمَّ الإقرار في الفصل السابع منها ما يتعلق بأوضاع المحكمة نفسها ونظامها الداخلي أو لجهة مصير بعض الملفات المرتبطة داخليا. ففي الشق الأول، يمكن لمجلس الأمن وفقا لقراراته السابقة لا سيما القرار 1644 إقرار نظام المحكمة وفقا للفصل السابع مع الإبقاء على الصفة المختلطة، أي قضاة لبنانيين ودوليين، إلا أن ثمة ضرورات لتعديل بعض بنود النظام الأساسي للمحكمة بحيث تحرم السلطات اللبنانية من هامش المشاركة النسبية الممنوح في النظام الأساسي. وإما إقرار مجلس الأمن لنظام المحكمة في الفصل السابع أيضا وتطبيق القانون الدولي فقط وعندها يكون الأمر اقرب إلى إنشاء محكمة دولية خاصة كالسوابق التي ذكرناها آنفا. وفي هذه الحالة الأخيرة سيخرج الموضوع كليا من يد اللبنانيين.

في الجانب الداخلي من التداعيات يمكن رصد ثلاث حالات رئيسة، تتعلق الأولى بإطلاق رصاصة الرحمة على الحوار الذي جرى سابقا بين رئيس مجلس النواب ورئيس الأغلبية النيابية، إذ بات موضوع الحوار منتهيا من أساسه، وباتت تتطلب أي متابعة حوارية جدول أعمال مختلفاً لجهة الموضوعات وطرق الربط والوصل الممكنة بينها. فحكومة الوحدة الوطنية التي تطالب المعارضة بها باتت قضية منفصلة عن موضوع المحكمة ونظامها، وبالتالي أي متابعات أخرى ستفرض شكلا جديدا من المطالب التي تبدو أشد تعقيدا من حكومة الوحدة الوطنية ومنها الانتخابات النيابية المبكرة على سبيل المثال.

ثاني التداعيات الداخلية سيكون حجم التأثير في أهداف الاعتصام الذي ربط بشكل أو بآخر بإمكانية اجراء تعديلات ما على نظام المحكمة مقابل انهاء الاعتصام، وهذا ما عمل عليه في الأساس أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى في جولاته السابقة. النقطة الثالثة تتعلق بانتخابات رئاسة الجمهورية إذ إن نقل الموضوع لمجلس الأمن يعني فيما يعنيه أن هذه الأكثرية هي صاحبة الحق الحصري في تحديد التكييف القانوني لآلية انتخاب الرئيس المقبل، وإلا ستكون الحكومة الحالية هي الوريثة لصلاحيات رئيس الجمهورية في حال تعذرت عملية الانتخاب.

في أي حال يبدو أن الأمر متعذر حتى الآن رغم السعي الأمريكي الفرنسي الجاد، إذ ثمة معارضة روسية صينية واضحة ما يعني أن حق الفيتو وسيلة قابلة للرد، ووسط تصريحات واضحة أيضا من قبل الأمين العام للأمم المتحدة الداعية لإقرار نظام المحكمة وفقا للأطر الدستورية اللبنانية.

* أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية