التحدي الأول للرئيس الجديد

نواكشوط - المختار السالم

أشاعت التحقيقات الجارية بشأن أكبر عمليات تهريب المخدرات في تاريخ موريتانيا حالة خوف باتت تنتاب صغار وكبار المسؤولين على حد سواء خصوصا في المجال الأمني. ووسط إلحاح الشارع غير المسبوق على وسائل الإعلام لكشف المزيد من الأخبار المتعلقة بملف المروحيات والسيارات والتجهيزات والمبالغ المالية والسجناء السبعة والفارين الخمسة وال 30 شخصا الذين تم استجوابهم، بات العاملون في عشرات وسائل الإعلام المحلية والدولية يعيشون تحت رهاب الخوف من ردة فعل اجتماعية أو أمنية من جهات متنفذة قد تأتي على إثر أي تسريب إعلامي عن جهة متورطة في تلك القضية. ومن ثم ظلت معظم الأخبار المتعلقة بهذا الملف حبيسة أدراج المحررين وصناديق البريد الإلكتروني من دون أن يجرؤ أي أحد على نشرها أو إسنادها لمصدرها الحقيقي.

والملاحظ أن عناصر الأمن الصغيرة الرتب هي الأكثر خوفا وبدأت تهمس بالمعلومات في البداية ثم أحجمت كما لو أن ألسنتها ldquo;تخدرتrdquo; بتعليمات صارمة، أو تهديدات قاتلة. رجال الأعمال الموريتانيون وضعوا مراقبين يتابعون الصحف والمواقع الإلكترونية ونشروا شبكات للتحري بين الصحافيين للتأكد من أن صحف الصباح لن تورد إشارة إلى شخصياتهم بالصفة أو بالاسم، الأمر الذي يودي في حالتي الذنب أو البراءة بصاحبه إلى ldquo;ستين داهيةrdquo; مما يعد إخواننا المصريون.

وهناك رجال أعمال آخرون تواروا عن الأنظار ولاذوا بالصمت في النزل التي يملكونها في ضواحي العاصمة. أما أغلب أصحاب ldquo;الغنى المفاجئrdquo; فاختفوا من الشوارع والأماكن العامة ولا يظهرون إلا للضرورة القصوى في أثواب عادية وسيارات قديمة لا توحي بشيء. وانخفضت حركة السيارات الفارهة في نواكشوط إلى أدنى مستوياتها منذ أسبوعين، تاريخ كشف القضية، خاصة مع التعليقات التي تتردد في الشارع عن كل سيارة من ذلك الصنف تمر ldquo;ذلك من بركة الذهب الأبيضrdquo;.

أما أسر المعتقلين فأصبحت تشكو تجاهل وإهمال أغلب المعارف والأصدقاء وحتى الأهل لهم ، فهم لا يردون عليها معتقدين بأن مكالماتهم تسجل من طرف الأمن وبالتالي قد يتورط المتصل باستجواب ساخن. وحتى الزعيم السياسي أشبيه ولد الشيخ ماء العينين، صاحب المكانة الاجتماعية الضاربة في أعماق المجتمع الموريتاني وحفيد المجاهد الكبير، لم يستطع رفاقه في أحزاب المعارضة الاطمئنان على صحته، وتهمة الرجل الوحيدة المعلنة حتى الآن أنه لبى دعوة عشاء من أحد المتهمين يرتبط به سياسيا واجتماعيا منذ فترة طويلة.

وتعتبر مصادر الأمن سيدي محمد ولد هيداله، نجل الرئيس السابق، هو المتهم الرئيسي في الملف. والملاحظ أن تهمة المخدرات تهمة لا تطال الأشخاص بل العمارات والسيارات الفارهة وكل زخرف الحياة الذي تحوزه أقلية غنية أصبحت محل اتهام من طرف أغلبية فقيرة لا تجد قطعة خبز. وضباط العسكر أو الأمن لا يمكن أن يكونوا بمنجاة عن التورط لكن تلك ldquo;قاماتrdquo; لم تعل لتبلغها التهم حتى ولو كانت على مروحيات بمحركين كتلك التي قالت الشرطة إنها قطعت المحيط من أمريكا اللاتينية إلى موريتانيا من دون توقف. بدوره لا يفوت الشارع الموريتاني فرص التنكيت على ملاك العمارات والبنوك والمؤسسات. نكات مخدرة أطرفها ذلك التعليق القائل ldquo;إذا كانت أراضينا أصبحت معبرا للمخدرات فلن تكون قطعا مزرعة لأن ملاك الضياع الثمينة يعرفون أن الجراد سيأكل كل شيءrdquo;.