محمد صادق دياب
محسود كل صاحب كرسي، أو منصب، أو مسؤولية إلا عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية، فلن يجد في كل العقلاء ـ من الخليج إلى المحيط ـ من يمكن أن ينازعه الجلوس على ذلك الكرسي المثقل بهمومنا وجنوننا وعنترياتنا العربية.. فهذا السياسي الشامخ قد جنت عليه هالة الضوء التي سكبت على مسيرته ليجد نفسه يسند ظهره على كرسي ـ أشبه ما يكون بلوح مهرج هندي ـ به ألف مسمار ومسمار..
كان عمرو موسى مساء الجمعة الماضية يعيش صدمة السياسي المثقف، وهو يعلن من بيروت أنه سيغادر من دون التوصل إلى توافق بين الأكثرية النيابية والأقلية ـ أو بين الحكومة والمعارضة ـ على استئناف الحوار.. وقد يرى البعض أن زيارة موسى والوفد المرافق لم تكن سوى مجرد أداء واجب لرفع الحرج عن الجامعة العربية في محاولة لاستباق المبادرات الأوروبية، وبصورة خاصة المبادرة الفرنسية، وأن عمرو موسى كان يعرف ـ سلفا ـ أن إزالة الفجوة بين الموالاة والمعارضة في لبنان تحتاج إلى ما يشبه المعجزة، ولكني أظنه من الإقدام بحيث آثر في مواجهة المستحيل ألا يطلب غير المستحيل، وليس ذنبه ـ ولا ذنب الجامعة العربية ـ أن يكون بعض الساسة في لبنان قد أحرقوا المراكب، ولم يتبق أمام المواطن اللبناني العادي المكلوم سوى انتظار حدوث الذي لا يحدث.
كنت من أكثر المتفائلين بأن اللبنانيين الذين يتنفسون شعر laquo;جبرانraquo;، ويسبحون في نهر laquo;فيروزraquo;، ويشدون خيام قلوبهم بغصون الياسمين، لا يمكن أن يكونوا إلا دعاة حياة، وأن المسافات مهما تناءت بينهم ليست سوى وهم، وأن laquo;جريرهمraquo; مهما تراشق مع laquo;فرزدقهمraquo; سيبقى لبنان المبتدأ والقافية، ففداحة حرب الأمس في الذاكرة ظننتها لن تتناسل اليوم أشباحا تسرق فرح الصباحات، وكتبت ذات مقال بأن laquo;السواعد التي اعتادت أن تسقي زهور التفاح، لن تألف قطف ثمار الأرواحraquo;، ولكنها الحقيقة المرة التي تجرعها موسى بالأمس يتجرعها معه كل المحبين للبنان، وها أنا اللحظة أحرك مؤشر التلفاز بين القنوات الفضائية اللبنانية، فتقتات تلك القنوات من تفاؤلي، وأشعر أن ثمة من قرر هذه المرة ذبح طائر laquo;الفينيقraquo;، والمضي بسكين الجنون إلى أقصى تخوم الوريد.. وكأني بـlaquo;العطارraquo; عمرو موسى يقول لنا من جديد: laquo;فلنستودع الله لبنانraquo;.
التعليقات