نصير الأسعد


منذ فترةٍ بعيدة نسبياً، امتنع قادة 14 آذار عن إثارة قضية quot;سلاح حزب اللهquot;. اتّفق رئيس quot;تيّار المستقبلquot; سعد الحريري ورئيس quot;اللقاء الديموقراطيquot; وليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية في quot;القوات اللبنانيةquot; سمير جعجع على عدم الدفع باتجاه جعل هذه القضية أولوية مباشرة، وعلى عدم اشتراط معالجتها الفورية كمدخل الى تسوية سياسية، وإن كانوا جميعهم أكدوا أن الحل يكون ـ عندما يحين أوانه ـ في إطار ما سمّي quot;الاستراتيجية الدفاعيةquot; التي نسفَت حرب تموز من العام الماضي البحث فيها، والتي تقترح quot;انضمامquot; المقاومة الى الجيش.

قادة 14 آذار وسلاح quot;حزب اللهquot;

اتفق قادة 14 آذار على ذلك وفي ذهنهم جميعاً على ما يبدو أمران: الأول هو المساعدة على عدم إغلاق أفق التسوية بترك هذا الموضوع للنقاش والحوار، والثاني هو قناعتهم بأن ما هو مطروح في الأصل ليس نزع quot;سلاح حزب اللهquot; بل الاتفاق مع الحزب على إدراج سلاحه في إطار الدولة، ما يفترض موافقةً طوعيّة من جانب الحزب من دونها لا حلّ في نهاية المطاف.
اللقاءات الشيعية: مسألة السلاح ملحّة
وعلى هذا المنوال أيضاً، نسجت اللقاءات الشيعية أو اللقاءات ذات الغالبية الشيعية في حضورها.
وبالنسبة الى هذه اللقاءات الشيعية أو الغالبة في شيعيّتها، يمكن تسجيل بضع نقاط رئيسية.

النقطة الأولى، هي استيعاب فاعليات الحراك الشيعي المستقل عن quot;حزب اللهquot; وquot;أملquot; لحقيقة أن الهدف المباشر لأي حراك شيعي مستقلّ لا يمكن أن يكون تأسيس حركة سياسية شيعية quot;ثالثةquot; في المدى المباشر على الأقل، إنّما الهدف هو تمكين الوضع الشيعي من إطلاق تعبيرات متعدّدة وquot;متفاوتةquot;، وquot;مراكمةquot; نتائج دينامية طويلة النفس.
والنقطة الثانية هي استيعاب فاعليات الحراك الشيعي المستقل لحقيقة أن التعبيرات quot;المتعددةquot; وquot;المتفاوتةquot; لا بد أن quot;تُصقلquot; مع الوقت، على طريق بلورة ما يمكن تسميتُه إصطلاحاً quot;الجناح الشيعيquot; لحركة الاستقلال اللبناني الثاني، أي بحيث يصبّ هذا quot;الرافدquot; في 14 آذار.

أما النقطة الثالثة، والتي تحتاج الى نقاش quot;عميقquot; فهي تتعلق بما إذا كان يصحّ التأسيس المتراكم لعمل سياسي شيعي مستقلّ من دون موقف ثقافي ـ سياسي ـ وطني من quot;المقاومةquot; وquot;سلاح حزب اللهquot;. ذلك أنه على صحة القول أن مسألَتي quot;المقاومةquot; وquot;سلاح حزب اللهquot; هما مسألتان لبنانيّتان عامتان فإنهما تعنيان الشيعة والوضع الشيعي على نحو مخصوص. وبهذا المعنى، فإن الحراك الشيعي المستقلّ عن طرفَي الثنائية القابضة على الوضع الشيعي الآن، يتطلّب أخذ quot;الخصوصية الشيعيةquot; في الاعتبار للذهاب مباشرةً الى العناوين الإشكالية. ولمزيد من الإيضاح، ليس مطلوباً من تحرّك شيعي مستقلّ ذي تعبيرات متعدّدة أن يدعو الى quot;نزع سلاح حزب اللهquot;، ليس فقط لأن هكذا عنوان quot;استحالةquot;، بل المطلوب أن تبقى هذه المسألة حاضرةً. وعلى هذا الأساس، فإن الموقف الصادر عن quot;اللقاء الوطني لدعم الجيشquot; والذي ضمّ غالبية شيعية، موقف مهم، لجهة دعم المؤسسة العسكرية والدولة، لكنه موقفٌ يقارب quot;مسألة السلاحquot; بشكل quot;غير مباشرquot;.

quot;حزب اللهquot; والجنوب

على أي حال، ومع تسجيل صيغة تعاطي قادة 14 آذار والتعبيرات الشيعية حيال quot;سلاح حزب اللهquot;، فإن ما ينبغي تسجيله في المقابل، يتعلّق بـquot;علاقةquot; الحزب مع سلاحِه في الآونة الأخيرة.
يتبيّن من متابعة هذا الموضوع أن quot;حزب اللهquot; لا يقيمُ أي اعتبار لـquot;رأيquot; الاجتماع اللبناني بسلاحه، وإنه يتصرّف على أساس أن سلاحه باق quot;الى الأبدquot;. ويتوزّع اهتمام الحزب في هذا المجال على quot;محاورquot; عدة:

الأول في الجنوب، جنوب الليطاني وشماله، حيث يؤكد الحزب وتؤكد المعلومات أنه يحتفظ ـ على الرغم من القرار 1701 ـ بفاعلية عسكرية من ناحية وبحضور ودور أمنيين من ناحية ثانية.
ومعلومات من البقاع.. وتدريبات
الثاني في البقاع، شماله وشرقه وغربه، وقد حوّل quot;حزب اللهquot; البقاع الى منطقة عسكرية quot;كاملةquot;. وفي التخطيط أن تكون هذه المنطقة منطقة مواجهة مع إسرائيل، أي أن تكون هي الجبهة الأمامية هذه المرة.

وعلى سبيل أخذ العلم، لا بأس من إيراد معلومات وصلت من المنطقة الى كاتب هذه السطور: سُجّل قبل أيام قليلة quot;مارشquot; عسكري شارك فيه مئات من عناصر الحزب من بعلبك الى قرية بقاعية أخرى، وسُجّلت حركة شاحنات لم تتوقف خلال أيام بين قرى البقاع الشمالي باتجاه قرية تمّ استحداث مواقع عسكرية ثابتة في أبنية محدّدة، فيها وسُجلت حركة سفر لمجموعات من الشباب الى إيران للتدرّب، وسُجلت حفريات في بعلبك لتمديد شبكة اتصالات هاتفية خاصة بالحزب.

أما المحور الثالث، فهو فضلاً عن التدريب quot;الذاتيquot;، قيام quot;حزب اللهquot; بتدريب عناصر تابعة لتنظيمات موالية للنظام السوري.

حدّان إقليمي وداخلي

مِن متابعة تصرّف quot;حزب اللهquot; في موضوع السلاح، يظهر أن لهذا السلاح دوراً quot;بينquot; حدّين.
الأول، في إطار استعداد quot;إقليميquot; ما: إمّا التحضّر لمواجهة مع إسرائيل، وإمّا مؤازرة النظام السوري في محاولته استدراج quot;اشتباكquot; إقليمي كبير، وإمّا quot;الجهوزيةquot; في حال مواجهة إيرانية ـ أميركية ـ دولية.
أما الثاني، فيبدو مندرجاً في إطار داخلي. فبينَ quot;معسكر رياض الصلحquot; الذي تحوّل الى مربّع أمني، وبينَ المربّع الأمني quot;الأصليquot; في الضاحية الجنوبية، وبينَ التدريبات في إطار quot;دورات ميليشياquot; لتنظيمات حزبية موالية لنظام الأسد، ثمّة رابط منطقي هو التوجه الى الداخل، وقد تكون العاصمة هدفاً عسكرياً وأمنياً.
في السياق السياسي: quot;الحكومة الثانيةquot;
بطبيعة الحال، ليست الغاية من عرض علاقة quot;حزب اللهquot; بسلاحه، تظهير أن جانباً ـ رئيسياً الآن ـ من هذا السلاح موجّه نحو الداخل اللبناني، بل الغاية هي وضع هذا التوجه الى الداخل في سياقٍ سياسي محدّد.

في هذا المجال، لا مفرّ من التذكير بما يتمّ تداوله عن نيّة تحالف ما يسمى quot;المعارضةquot; تشكيل quot;حكومة ثانيةquot; بواسطة إميل لحود.
حتى الآن، تعاطت 14 آذار وتعاطى معظم قادتها مع هذه quot;النيّةquot; بوصفها تهويلاً أو واحداً من أشكال الضغط لتحسين شروط quot;التفاوضquot; من جانب quot;المعارضةquot;.
بيدَ أن في ما يرد من معطيات في هذا الشأن، جانباً غير تهويلي، أي إن لم يعطِ التهويل مفعوله الضاغط، فسيتمّ الانتقال به الى التطبيق.

وفي هذا المجال، تفيد المعطيات أن النظام السوري يلحّ على قيام quot;الحكومة الثانيةquot;. أما النقاش بين نظام الأسد وحلفائه فيدور حول نقطتين بشكل رئيسي. الأولى تتعلق بـquot;توقيتquot; الخطوة. والثانية تتعلق بـquot;الصيغةquot;، أي ما إذا كان الظهور بمظهر quot;المبادرةquot; أفضل أو الظهور بمظهر quot;ردّ الفعلquot;. غير أن quot;المبدأ قائمٌ فعلاً.

الأسد طرحَ مع بان توجهه الانقلابي

نشرت quot;المستقبلquot; وصحفٌ أخرى في أعدادها الصادرة أمس مقتطفات من محضر لقاء الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيس النظام السوري بشار الأسد قبل إقرار المحكمة الدولية تحت الفصل السابع في مجلس الأمن، وذلك نقلاً عن صحيفة quot;الموندquot; الفرنسية.

قال الأسد للأمين العام كلاماً كان معروفاً أو متوقعاً. بيدَ أن في هذا الكلام عناوين الخطة السورية الجاري تنفيذها الآن. وفيه تحذيرٌ من quot;تطوّر النزاع الى حرب أهليةquot;. وفيه أن quot;الشعب السوري يكره حركة 14 آذارquot;(!). وفيه أن quot;الحكومة الحالية في لبنان غير شرعيةquot;. وفيه أخيراً أن العلاقة بلبنان مرهونة بقيام ما يسمّى quot;حكومة الوحدة الوطنيةquot;.
باختصار، في كلام الأسد، إعلانٌ رسمي للانقلاب الذي يقوده في لبنان. وأكثر من ذلك، فيه أن كل الخطة التخريبية الإرهابية قيد التنفيذ الآن، إنما تهدف الى قلب الأوضاع في لبنان رأساً على عقب.
من حقّ 14 آذار أن تعتبر أن ليس ثمة جديد على هذا الصعيد، على أساس أن المشروع الانقلابي بدأ منذ آخر الصيف الماضي، وأن هذا الانقلاب فشل في مراحله السابقة. وهذا صحيح.
14 آذار والمواجهة

لكن لا يمكن في أي حال من الأحوال تجاهل واقع أن ثمّة تخطيطاً سورياً لمرحلة جديدة من العملية الانقلابية، وذلك بصرف النظر عن فشلها المحتوم في quot;نهاية المطافquot;.
quot;الحكومة الثانيةquot; هي عنوان المرحلة الراهنة من الانقلاب المستمرّ. وعندما يحذّر الأسد من حرب أهلية، فإن على 14 آذار أن تلاحظ أن الانقلاب مجسّداً في quot;حكومة ثانيةquot; هو حرب أهلية. لا يقلّل الاعتراف بذلك من تصميم 14 آذار quot;المختلطةquot; على منع الحرب الأهلية، لكنه يحدّد الى حدّ كبير كيفية مواجهة هذا quot;الاحتمالquot;. ذلك أن quot;الصراع على السلطةquot; ليس فقط بين حكومة شرعية وأخرى متمرّدة غير شرعية وإن كان ذلك هو الوجه quot;الظاهرquot; من المسألة، بل هو بين ائتلاف سياسي ـ طائفي ـ شعبي تمثّله 14 آذار من جهة، وإئتلاف آخر يقوده quot;حزب اللهquot; باسم طائفة من جهة أخرى.

الانتباه من خطوات quot;ميدانيةquot;

المهم أن quot;الحكومة الثانيةquot; عنوانٌ ـ بصرف النظر عن مآله الأخير ـ quot;يجبquot; الانتباه منه لمواجهته.
ماذا يعني الانتباه المطلوب؟

الانتباه مطلوبٌ من خطوات ميدانية يمكن أن يُقدم النظام السوري وحلفاؤه وأتباعه عليها، مقدّمةً لإعلان quot;الحكومة الثانيةquot; أو بعد إعلانها.. وعلى الأرجح قبل الإعلان ولـquot;تبريرهquot;.
يعرف النظام السوري وحلفاؤه أن quot;الحكومة الثانيةquot; غير شرعية وغير دستورية. ويعرفون أن أحداً في العالم العربي وفي المجتمع الدولي لن يعترف بها باستثناء النظامَين في دمشق وطهران. لكنهم سيسعون الى تحويل الأنظار عن لاشرعية ولادستورية quot;حكومتهمquot; باتجاه إحاطتها بوقائع ميدانية، أي باتجاه جعلها أمراً واقعاً. وهذا ما يعني أنهم سيحاولون الحصول على quot;أرضquot; لحكومتهم وعلى مقرّات.

ليس في كل ما تقدّم quot;منام مخربطquot;، بل فيه عدم تجاهل للتهديد من ناحية واستعداد لـquot;المواجهةquot; من ناحية ثانية.
وهنا، بالعودة الى quot;سلاح حزب اللهquot;، من الواضح أن المرحلة الراهنة ـ المقبلة من الخطّة الانقلابية للنظام السوري وحلفائه تحت عنوان quot;الحكومة الثانيةquot;، تفسّر لا بل تعزّز تفسير استعداداته العسكرية في غير منطقة من لبنان، ليتأكّد أن هذا السلاح ذو وظيفة داخلية خطيرة.

بالتأكيد، سيكون النظام في سوريا وحلفاؤه خاسرين سياسياً. لن تفتح لهم quot;الحكومة الثانيةquot; أي أفق سياسي، تماماً كما لم تفتح لهم خطواتهم السابقة الأفق. لكن هذا التوقّع المنطقي لا يعفي 14 آذار من المواجهة السياسية والشعبية منذ الآن. نعم إنها المرحلة ما قبل الأخيرة لنظام الأسد.. لكن خطة المواجهة لا بد أن تكون قد أعدّت.. وأن يبدأ تنفيذها على الفور.