عبد الرحمن الراشد

في نظري بريطانيا لا تتغير سياستها الخارجية كثيرا مهما تغير رؤساء وزرائها، بخلاف شؤونها الداخلية. فمنذ ويلسون وثاتشر وميجور والى بلير، لم تتغير مواقف لندن كثيرا الملتصقة دائما بالموقف الاميركي. وبالتالي لا نتوقع مفاجآت من غوردون براون، الرجل الذي حل محل توني بلير.

ولاننا لم نسمع جيدا رؤية براون حيال قضايا العالم، مثل العراق وفلسطين وإيران والإرهاب، فهذا يعني انه لا ينوي سحب قواته من البصرة قبل ان يرى انسحابات اولية اميركية، ولن يتخذ مواقف ضد اسرائيل، ولن يفاوض ايران قبل ان تبدي تراجعا في مشروعها النووي، ايضا لن يوقف محاكمات الارهابيين او اطلاق سراح المحكوم عليهم.

ما حدث عمليا هو غسيل داخلي. فقد قام حزب العمال، الذي ينتمي اليه بلير وبراون، بتحسين سمعته بالتخلص من بلير بسبب فشل الموضوع العراقي ومن اجل اعطاء الانطباع الضروري للناخبين بان الحزب صحح اوضاعه ورجاله. وبالتالي لا تأتي الانتخابات المقبلة الا بحزب عمالي مقبول لناخبيه التقليديين.

اذن هي عملية جراحية تجميلية داخلية لا صلة لها بالسياسة الخارجية التي كثيرا ما انتُقد بلير عليها، بدليل ان براون منذ تسلمه السلطة لم يفعل ولم يعد بالكثير من التغييرات، بل لا يبدو من ايامه الاولى متحمسا للحديث عن وعود تغييرية في أي المواقف البليرية تجاه النزاعات الدولية.

أما بلير فقد اعتبر استقالته، التي فرضها الحزب، انقلابا شخصيا من طموحين للحكم لا علاقة لها بسمعته او موقع الحزب التنافسي في الساحة البريطانية. ووصف ساحة لندن السياسية بأنها اخطر عليه من بغداد بسبب الدسائس الانقلابية داخل حزبه.

ومهما كانت الاسباب الحقيقية، سواء محاولة تنظيف السمعة بسبب فشل المشروع البليري في العراق او صراعات الحزب المألوفة، يبقى بلير اسما من ذهب في بريطانيا، كونه الرجل الذي غير الحزب العمالي وأنقذه من السقوط حيث تسلم الحزب وهو يتهاوى مع سقوط اليسار منذ مطلع التسعينات. وقد اخترع بلير حقنة أعادت الحزب للحياة، وأعطته شعبية مكنته من الفوز في ثلاثة انتخابات متتالية.

بلير اصبح تاريخا مضى، ونحن الآن نتعاطى العمل مع براون، رجل مجهول تماما بالنسبة لنا. ومع ان السياسة البريطانية دائما ملتصقة بالسياسة الاميركية، الا ان كيفية علاقتها بواشنطن تختلف، إما ان تقود او ان تقاد. فهي في زمن السيدة مارغريت ثاتشر والى حد كبير في عهد بلير كانت شريكة ترشد الرئاسة الاميركية في القضايا المصيرية. بريطانيا نسبيا ذات نظام سياسي متحرر من الضغوط بخلاف النظام الاميركي المثقل والمقيد بالمصالح المرتبطة باللوبيات وقوى الضغط المختلفة. لذا كان التأثير البريطاني ايجابيا، وأحدث تغييرات متكررة على المواقف الاميركية المتقدمة في القضية الفلسطينية منذ اول الثمانينات التي وصلت الى مرحلة اعلان موافقة البيت الابيض على مبدأ قيام دولة فلسطينية.

وبراون كونه ابن الحزب العمالي، نتوقع ان يمارس الدور نفسه في تطبيب السياسة الامريكية عندما تصاب بالحمى.