... مثلما حصل في العام 1948 في عهد الجعبري

داني روبنشتاين ـ هآرتس

الشيخ محمد علي الجعبري، علي مدي نحو أربعين سنة (1939 ـ 1976)، كان ربما الفلسطيني الاول الذي استخدم بعد حرب الايام الستة تعبير صمود . في اليوم الرابع لحرب الايام الستة أمر سكان المنطقة للاستسلام للجيش الاسرائيلي وعدم مقاومة الاحتلال الاسرائيلي ـ كي لا يصبحوا لاجئين.
كلهم يأتون ويذهبون وأنا أبقي هنا ، كما درج علي القول حين كان يتذكر سنوات حياته التي رأي فيها خمسة أنظمة مختلفة تسيطر علي الخليل ـ عثماني، بريطاني، مصري (لوقت قصير في العام 1948)، اردني واسرائيلي. وقد توفي في العام 1980، قبل بضع سنوات من أن يتمكن من العيش في حكم آخر ـ السلطة الفلسطينية.
لا شك ان الجعبري كان الشخصية الاكثر شهرة في القيادة التقليدية الفلسطينية، والتي حافظت علي الولاء للحكم الاردني. في كانون الاول (ديسمبر) 1948 كان علي رأس مجموعة من الوجهاء من الضفة الغربية، ممن طلبوا من ملك شرقي القدس، عبدالله، ان يضم الضفة الي مملكته. وبعد ذلك، الي جانب منصبه في الخليل، شغل مناصب أساسية في حكومات عمان.
بعد العام 1967 كان هناك زعماء آخرون مثله في الضفة وقطاع غزة. اسموهم القيادات التقليدية ، خلافا لخصومهم الشباب من مؤيدي منظمة التحرير وفتح، الذين رفضوا النظام الاردني وتبنوا قول رئيس م.ت.ف الاول احمد الشقيري: الطريق لتحرير فلسطين يمر في القصر في عمان .
أي لا يمكن تحرير فلسطين دون اسقاط النظام الهاشمي في الاردن أولا. وبالفعل، في صيف 1970 بلغت ذروتها المعركة بين الاردن وم.ت.ف في معارك ايلول الاسود ، التي في اعقابها طرد من الاردن ياسر عرفات وم.ت.ف.
في السبعينيات انقسم النشطاء السياسيون الفلسطينيون في المناطق الي معسكرين خصمين: التقليديون ايدوا الاردن والمتطرفون الشباب، نشطاء م.ت.ف التقليديون، اُعتبروا كبارا في السن وعتيقين، قوتهم تقوم علي اساس القبلية ولمعظمهم مصالح اقتصادية ترتبط بالاردن. وبالمقابل، فان مؤيدي م.ت.ف كانوا شبابا، حديثي التوجه، وطنيين وذوي ميول يسارية.
الشارع في المناطق أحب الاخيرين. في العام 1976 اُجريت انتخابات للبلديات في الضفة، فشل فيها المعسكر التقليدي وحقق مرشحو م.ت.ف نجاحا بارزا. الجعبري، الذي فهم الي اين تهب الريح في مدينته، حتي لم يتنافس. كان واضحا في حينه أن التقليديين اصبحوا غير ذي صلة. والحسين ملك الاردن هو الاخر فهم ذلك. في العام 1988 في أعقاب الانتفاضة الاولي، اعلن عن فك ارتباط الاردن عن الضفة.
في المناطق يجري هذه الايام ما هو بمثابة صورة مرآة سياسية للوضع اياه. مثلما قبل ثلاثين سنة أصبح معسكر مؤيدي الاردن غير ذي صلة، هكذا يبدو اليوم معسكر م.ت.ف وفتح تقليديا، قديما، مفككا، مهزوما ـ وغير ذي صلة. الشارع الفلسطيني لا يحبهم ويفضل عليهم الراديكاليين من حماس. الشارع مل م.ت.ف وفتح وذلك ضمن امور اخري لانهم فشلوا. فقد وعدوا بصراع سياسي ودولة مستقلة عاصمتها القدس ـ فأدوا الي الازمة والحصار. وعلي خرائبهم تقوم صبح مساء منظمات كتائب المقاومة او اللجان الشعبية ، التي تشبه في طريقها وعملها حماس.
علي هذه الخلفية يوجد في الاونة الاخيرة ميل متجدد لعلاقات الفلسطينيين من الضفة مع الحكم الهاشمي في عمان. صحيح أن الملك عبدالله الثاني يعلن أنه ليست له نوايا سياسية غربي النهر، الا ان رئيس حكومته الاسبق عبدالسلام المجالي، طرح عدة مرات افكار الكونفدرالية او الفدرالية بين الضفتين. في شرقي القدس أكمل الاردن سيطرته علي المؤسسات الاسلامية في الحرم، و250 الف عربي من المدينة يمكنهم أن يتلقوا جوازات ســفر اردنية، بطــاقات سفر، لخمس سنوات.
علي الضفة الغربية، الحبيسة بين اسرائيل والاردن يعمل نوع من القانون الطبيعي: كلما قطعت اسرائيل نفسها عن الضفة الغربية بواسطة الجدران، الاسوار، الحواجز والمعابر، هكذا تنفتح الحدود بين الضفة وشرقي الاردن. فمثلا اذا لم يكن بوسع احد سكان نابلس السفر الي خارج البلاد عبر مطار بن غوريون او التجارة عبر ميناءي حيفا واسدود، فلا مفر له غير عمل ذلك عبر عمان والعقبة.
اليوم، العلاقات بين نشطاء فتح وم.ت.ف في الضفة مع الحكم الاردني أهدأ بكثير مما كانت في الماضي. في مؤتمر احتفالي عقد في العقبة قبل بضعة اسابيع، جلس الي جانب الملك عبدالله نشطاء م.ت.ف قدماء. شخصيات من الضفة ـ بينهم ماركسيون، شيوعيون ووطنيون ـ كانوا قبل بضع سنوات اعداء لدودين للاسرة الهاشمية، هم اليوم ضيوف واصدقاء للحكم التقليدي في عمان.
للوهلة الاولي، يمكن للاردن ان يقول للفلسطينيين اليوم: انتم غير قادرين علي التوصل الي تسوية مع اسرائيل، اسمحوا لنا عمل ذلك نيابة عنكم .
ولكن عبدالله ورجاله لا يريدون ذلك، بعد أن اكتووا في الماضي. ومع ذلك، يحتمل ان يكون في الاردن من ينتظر اللحظة التي يتبين فيها أن الحركة الوطنية الفلسطينية، أي م.ت.ف وفتح، فشلت فيما أن حماس لا تنجح في الانقاذ. وهؤلاء يأملون أنه في حينه سيأتي الي عمان زعماء مثل الجعبري من الخليل ليطلبوا، مثلما قبل نحو ستين سنة: رجاء، ضمونا.