خيرالله خيرالله

عندما يسمع اللبناني التهديدات التي يُطلقها المسؤولون في quot;حزب اللهquot; في كل اتجاه، ليس أمامه من خيارات سوى وضع يده على قلبه. هناك بكل بساطة حزب مسلح يتلقى أوامره من خارج لبنان يسعى الى قلب المعادلة اللبنانية وتغييرها جذرياً انطلاقاً من تمكنه من الهيمنة، ولو موقتاً، على الطائفة الشيعية الكريمة. أدت هذه التهديدات إلى مراوحة الحوار في مؤتمر سان كلو الذي دعت إليه فرنسا مكانه. تبين للمتحاورين في سان كلو أن اللعبة التي يمارسها الحزب المذهبي، الذي يمتلك ميليشيا خاصة به تشكّل بعناصرها اللبنانية لواء في quot;الحرس الثوريquot; الأيراني، باتت مكشوفة. لم تعد هناك أسرار في ما يتعلّق بنهج quot;حزب اللهquot;. استطاع اغلاق أبواب مجلس النواب اللبناني وعطل الحياة في وسط بيروت، رمز وحدة لبنان، مستخدماً سلاحه وأدواته المستأجرة تحت ألوان مختلفة كما وفّر غطاء لعصابة quot;فتح ـ الاسلامquot; السورية في مخيّم نهر البارد شمال لبنان كي تقتل ما يزيد على تسعين من عناصر الجيش اللبناني. كان موقف quot;حزب اللهquot; وتوابعه في سان كلو جزءاً لا يتجزأ من المشروع الانقلابي الذي ينفذه الحزب منذ خروج القوات السورية من لبنان. ولذلك لم يوفر مناسبة إلا وشدد على الطلب السوري الداعي إلى قيام ما يسمى حكومة وحدة وطنية في لبنان. الهدف واضح كل الوضوح. مثل هذه الحكومة التي ستحل محل الحكومة الحالية التي تعتبر السلطة الشرعية في لبنان، بل آخر رموز الشرعية اللبنانية، تمتلك مهمة وحيدة. تتلخص المهمة التي ستؤديها ما يسمى حكومة الوحدة الوطنية، أو حكومة الانقاذ، بايجاد فراغ سياسي في البلد. هذا هو المطلب السوري الأول والأخير في هذه المرحلة. هذا هو المطلب الذي يروج له quot;حزب اللهquot; وأدواته. هذا هو مطلب كل من يسعى إلى تشكيل حكومة قبل اجراء انتخابات رئاسية.
المطلوب الانقلاب على الطائف لا أكثر ولا أقل. تتمثل الخطوة المقبلة المطلوبة سورياً في تشكيل حكومة وحدة وطنية تقود الخلافات داخلها إلى تعطيل الحياة السياسية والادارات الحكومية على كل المستويات وذلك بحجة عدم القدرة على الاتفاق على رئيس جديد للجمهورية. يريد quot;حزب اللهquot; أن يكون هناك رئيس جديد للجمهورية في جيبه على غرار ما هو حاصل حالياً بالنسبة إلى اميل لحود الذي ليس سوى موظف صغير عند بشار الأسد. في حال لم يحصل ذلك، لن تكون هناك أي مؤسسة لبنانية واقفة على رجليها! إذا لم يكن هناك رئيس جديد للجمهورية يعمل عند السوري، سيبقى لبنان من دون رئيس...
هذا ملخص المشروع الانقلابي الذي ينفّذه quot;حزب اللهquot;، هذا الحزب الذي يروج مع العاملين في خدمته للفكرة القائلة إن تغييراً طرأ على السياسة الفرنسية وإن باريس في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي تريد أن تكون على مسافة واحدة من الجميع في لبنان. ويذهب بعض الأغبياء مع بعض يتامى الجهاز الأمني السوري ـ اللبناني الذي ساهم في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى حد قول كلام يستهدف اثارة الغرائز المسيحية. يقول هذا البعض إن فرنسا في عهد ساركوزي ترفض الاستناد إلى القاعدة السنية في لبنان وكأن فرنسا في عهد جاك شيراك لم تعمل للبنان، لكل لبنان. لم يدرك هؤلاء الأغبياء بعد أن هذا المنطق يصب في خدمة المشروع الانقلابي الذي ينفّذه quot;حزب اللهquot; والذي يستخدم قسماً من المسيحيين وقوداً له. كذلك لم يدرك هؤلاء أن فرنسا دعمت رفيق الحريري لأنّه كان رمز لبنان الحضاري المنفتح على العرب والعالم بمسيحييه ومسلميه وليس لبنان quot;الساحةquot; التي يحاول المحور الإيراني ـ السوري ابتزاز العرب والعالم من خلالها.
ما كشفه لقاء سان كلو أن المشروع الانقلابي مستمر. ما يفعله quot;حزب اللهquot; هو كسب الوقت بغية إعداد نفسه لجولة جديدة من العصيان على المؤسسات اللبنانية وما بقي من الشرعية اللبنانية. ليس بعيداً اليوم الذي سيعاود فيه مقاتلو الحزب النزول إلى شوارع بيروت لاحتلال المدينة. فشلوا في ذلك في كانون الثاني الماضي لسببين الأول الخوف الايراني من فتنة سنية ـ شيعية في لبنان والآخر سقوط ميشال عون عند المسيحيين وعدم تمكنه من إغلاق المنطقة ذات الأكثرية المسيحية في وجه المواطنين على غرار ما حصل لاحقاً في وسط بيروت.
ما يجري حالياً على الأرض هو الاستعداد لمرحلة جديدة في سياق المشروع الانقلابي الذي يستهدف تفكيك لبنان وزرع الفوضى في كل زاوية من الوطن الصغير وعلى كل الصعد لتمكين النظام السوري من العودة إليه. الهدف النهائي تحويل لبنان دولة فاشلة. لعبة quot;حزب اللهquot; مكشوفة. إنه يعتقد أن المحور الايراني ـ السوري يجب أن يوظف لبنان في خدمته بغض النظر عن مصالح اللبنانيين. ولذلك ليس مستبعداً أن يحاول أن يرتكب في بيروت ما ارتكبته quot;حماسquot; في غزة.
ينسى الحزب ثلاثة أمور. الأول أن بيروت ليست غزة والآخر أن النظام السوري لا يمكن أن يعود إلى لبنان مهما عمت الفوضى البلد ومهما قتل من اللبنانيين ومهما اعتدت عصاباته على الجيش اللبناني وفتحت جبهات جديدة في المخيمات الفلسطينية. أما الأمر الثالث الذي لا يأخذه في الأعتبار فهو أن هناك حكومة شرعية في لبنان تمثل المصالح الحقيقية لجميع اللبنانيين وتدافع عنها، بما في ذلك مصالح الشيعة. بل تدافع عن مصالح الشيعة أولاً. يبقى السؤال في ظل هذه المعطيات: إلى أي مدى سيذهب الحزب الساعي إلى تغيير طبيعة المجتمع اللبناني في انقلابه؟ هل يتراجع قبل فوات الأوان ام يستمر في وضع اللبنانيين أمام خيارين. إما بغداد الصغرى أو طهران الكبرى.