محمد صلاح

قد تكون مصر مطالبة بحل لأزمة الحجاج الفلسطينيين ليس فقط لأنها الدولة العربية الاكبر أو لأنها الطرف العربي الأكثر فاعلية في معادلة السلام مع اسرائيل أو لكونها تمتلك علاقات ديبلوماسية مع الدولة العبرية أو لأن الحجاج خرجوا أصلاً من أراضيها وتوجهوا الى الاراضي الحجازية، إلا أن الطرف الاصيل صاحب المسؤولية الرئيسية على ما جرى ويجري وسيجري للحجاج هو السلطة الفلسطينية نفسها والرئيس محمود عباس (ابو مازن)، واذا كانت الخصومة بين السلطة الفلسطينية وحركة فتح في قلبها من ناحية وبين حركة حماس من ناحية أخرى ضربت القضية الفلسطينية ورجعت بها الى الوراء سنوات ما غيب الأمل في حل ونهاية سعيدة قريبة لمأساة العصر، فإن السلطة لا يمكن أن تكون سلطة ما لم تحمي الشعب الذي يفترض أن تحميه: مؤيديه ومعارضيه فتحاوي أو حماسيmiddot; ليس سراً أن اسرائيل تضغط في اتجاه إحراج المصريين وتحميلهم المسؤولية عن سماح السلطات المصرية بخروج الحجاج عبر معبر رفح الذي يخضع في الجانب الفلسطيني منه لحركة حماس، وفي ذلك السياق جاءت التصريحات الحادة التي اطلقتها وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني الاسبوع الماضي واتهمت فيها مصر بالمسؤولية عن الانفاق الممتدة تحت الارض بين الحدود المصرية وقطاع غزة وتدفق الاسلحة الى الفلسطينيينmiddot; وكذلك ما كشف عنه المسؤولون المصريون من ضغوط اسرائيلية على الكونغرس والادارة الاميركية لاستخدام المعونة الاميركية لمصر كورقة ضغط لتحقيق مطالب تل ابيب من القاهرة، إلا أن الحكومة المصرية وجدت نفسها وقد سمحت للحجاج بأداء الفريضة عبر اراضيها استجابة لدوافع إنسانية وأخلاقية ودينية لا تستطيع اعادتهم إلى وطنهم دون تنسيق مع الاسرائيليين، وقد تجد القاهرة أن الرئيس ابو مازن الموجود اليوم في العاصمة المصرية يستغل قضية الحجاج لتحقيق مزيد من الضغوط ضد حماس أو لوقيعة بين الحركة ومصر، وليس سراً أن القاهرة ترى أن دعمها المستمر للسلطة لا يمكن أن يستمر من دون أن تفي تلك السلطة بمسؤوليتها أولاً تجاه شعبها ثم ثانياً بعدم توريط مصر في مشاكل مع اسرائيل أو حماس أو أي طرف آخرmiddot; لم تكن تلك المأساة الأولى للفلسطينيين عند المعبر ولن تكون الاخيرة وحتى قبل حزيران (يونيو) من العام الماضي عندما سيطرت حماس على قطاع غزة فإن كوارث المعبر ظلت تتفجر بحسب مستوى العلاقات المصرية - الاسرائيلية أو بحسب نشاط الفلسطينيين وردود فعلهم تجاه التصرفات الاسرائيلية لكن وقتها كان المشهد أفضل كثيراً إذ بدا المصريون والفلسطينيون في مركب واحد ولم يكونوا موزعين في ثلاثة مراكب كما هي الحالة في أزمة الحجاجmiddot; وقد تشعر مصر أن اتفاق السلام مع اسرائيل كبلها بقيود تحول من دون وفائها بالتزامات العربية الاكبر وقد ترى أن عدد الجنود على الحدود قليل وأن الانفاق لها طرفان الاول داخل الاراضي المصرية والثاني في قطاع غزة، لكن الغضب المصري تجاه تصريحات ليفني والتصرفات الاسرائيلية ربما يمتد في مرحلة لاحقة ليشمل السلطة الفلسطينية التي لم يرتفع صوت أي مسؤول فيها علناً بانتقاد إصرار الإسرائيليين على عودة الحجاج من معبر كرم أبوسالمmiddot;

قد تكون التناقضات بين السلطة وحماس عند ذروتها، لكن المخاطرة بإجبار الحجاج على الدخول من ذلك المعبر بما يمكن الاسرائيليين من اعتقال بعضهم قد يحول بوصلة الخلاف لتتجه طرفها نحو رام الله والقاهرة.