عصام سليمان
الفراغ من الناحية العملية في لبنان لا يقتصر على رئاسة الجمهورية، إنما يشمل أيضاً مجلسي الوزراء والنواب. فالأول مطعون بشرعيته ودستوريته من قبل فئة كبيرة من اللبنانيين، والثاني لا يجتمع منذ أكثر من سنة. وتوافق الفريقين، الموالي للحكومة والمعارض، على قائد الجيش العماد ميشال سليمان، لتولي رئاسة الجمهورية، لم يقترن حتى الآن بانتخابه رئيساً للجمهورية، وأدخل التوافق نفسه على العماد سليمان في دائرة التجاذبات والحسابات الخاصة، في حين أن العماد سليمان، ومنذ البداية، وضع نفسه فوق الصراعات السياسية، ونأى بنفسه عن الترشح للرئاسة، وطلب سحب اسمه من التداول، كي لا يسيء ذلك إلى موقعه كقائد للجيش،
غير أن احتدام معركة الرئاسة والتوازنات السياسية الداخلية والخارجية، وتقاطع المصالح، قضت جميعها بالعودة إليه كمنقذ للبنان، وللسياسيين أنفسهم في الحالة التي أوصلوا البلاد إليها.
التوافق لم ينتج حتى الآن حلاً، بذريعة عدم الاتفاق على طريقة تعديل الدستور من جهة، وربط التوافق على الرئيس بالتوافق على تشكيل الحكومة، وعلى قائد الجيش، وقانون الانتخاب، من جهة ثانية.
لقد حدد الدستور آلية تعديله، وهي آلية تمر عبر مجلسي النواب والوزراء، غير أن المعارضة ترفض الاعتراف بالحكومة وتعتبرها غير دستورية وغير شرعية، وتلجأ إلى اجتهادات دستورية بهدف تعديل الدستور لانتخاب العماد ميشال سليمان من دون المرور بالحكومة، اجتهادات ترفضها الأكثرية النيابية الداعمة للحكومة، والأمر لم يقف عند هذا الحد فقد ربطت المعارضة انتخاب العماد سليمان بسلة كاملة من المطالب، تحتوي على تشكيل الحكومة لناحية الاتفاق على رئيسها، وضمان الثلث زائداً واحداً من الوزراء للمعارضة كي لا تستأثر الأكثرية النيابية، من خلال الحكومة، باتخاذ القرارات المهمة، والاتفاق مسبقاً على قانون الانتخابات النيابية التي ستجرى في ربيع العام ،2009 وتظهر المعارضة هذه المطالب على أنها وسيلة لتعبيد الطريق أمام العماد ميشال سليمان، لكيلا تواجهه عقبات بعد انتخابه رئيساً للجمهورية، تحول دون قيامه بالمهام المفترض أن يقوم بها، بحيث لا يكون أسير الصراعات السياسية المحتدمة بين الأكثرية والمعارضة.
الأكثرية النيابية من جهتها ترفض مطالب المعارضة لأنها تخالف الدستور الذي ربط تشكيل الحكومة باستشارات نيابية يجريها رئيس الجمهورية، ومن ثم الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، ويتم التوافق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف على التشكيلة الحكومية، فتعتبر الأكثرية ان شروط المعارضة، إذا ما جرى الأخذ بها تقيد رئيس الجمهورية العتيد، اضافة إلى أن الخلاف حول هذه الشروط يعيق وصول
العماد سليمان إلى سدة الرئاسة ويمدد أمد الفراغ.
هذه الأمور جميعها تستند إلى خلفيات، بعضها يعود إلى عدم الثقة بين الأطراف المتصارعة، التي يرتبط معظمها بجهات خارجية ذات مصالح متناقضة، وقد وجدت في لبنان المكان الذي تضغط فيه كل جهة على الجهة الأخرى، ريثما تصل الأمور إلى تسوية ما تحقق حداً معيناً من مصالح هذه الجهات. فالفريق المعارض الذي ترتبط قوى أساسية فيه بالمحور السوري الإيراني، يرى أن الأمور قد تتطور في الأشهر المقبلة، وفقاً لبعض المؤشرات، بما يخدم هذا المحور ويخفف الضغط الدولي عليه، وهذا ما يؤدي إلى تحسين موقع المعارضة، كما أن فريق الأكثرية المدعوم من المحور الأمريكي ومن معه من الدول، وإن أظهر رغبة في حسم الخلاف على رئاسة الجمهورية وانتخاب العماد ميشال سليمان، فهو، في ظل الفراغ في سدة الرئاسة، يبدو في موقع أقوى من المعارضة، لأن استمرار الفراغ تسده عملياً حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وهي المؤسسة الدستورية الوحيدة التي تجتمع وتتخذ القرارات على رغم طعن المعارضة بشرعيتها ودستوريتها، وتحظى بدعم دولي، وهناك من يرى أن الإدارة الأمريكية لا تريد إجراء الانتخابات الرئاسية، لتبقى حكومة الرئيس السنيورة في الحكم في المرحلة الراهنة. فزيارات ديفيد وولش مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية، وتصريحات الرئيس جورج بوش بشأن الانتخابات الرئاسية، تهدف إلى صب الزيت على النار، وتأجيج الصراع وإبقاء الوضع على ما هو عليه، خاصة أن التحرك الأمريكي عرقل المبادرة الفرنسية الساعية إلى إيجاد مخرج للانتخابات الرئاسية.
هذا التحليل لا ينفي وجود قلق داخل صفوف الأكثرية من الموقف الأمريكي واستمرار الفراغ في سدة الرئاسة. فالأكثرية لم تتجاوب مع توجيهات الرئيس بوش بالانتخاب بالنصف زائداً واحداً، واعتبرت أن زيارة ديفيد وولش تهدف إلى طمأنة الأكثرية بأن الإدارة الأمريكية لن تقدم تنازلات لسوريا على حساب لبنان.
التعليقات