حسن البراري

لا يمكن النظر للاستيطان الإسرائيلي على الأراضي المحتلة إلا كأداة لنهب الأرض الفلسطينية وشكل مقيت من أشكال التوسع الصهيوني. فالحديث عن استيطان شرعي واستيطان غير شرعي ما هو إلا نوع مما يسمى بالعبرية بالـ(خوتسبا) أي الاستعلاء والوقاحة معا.

من خلال متابعاتي لأدبيات الاستيطان في إسرائيل، أتفهم تطور هذا المفهوم تاريخيا وكتعبير عن قيمة عليا وشكل متقدم من أشكال الريادة أو الطلائعية في الفكر الصهيوني. ولكن ما يتغاضى عنه مفكرو ومنظرو الاستيطان الصهيوني هو أن الاستيطان، كما أشار له شلومو بن عامي في كتابه الجديد quot;آثار الحروب وجراح السلامquot;، لا يتم إلا على حساب الفلسطينيين وحقهم الطبيعي في أرضهم.

وأكثر من ذلك، فأنا أفهم عندما يتشدق أحد الصهاينة بأن لليهود حقا في quot;أرض فلسطينquot;. أتفهم المنطق ولا اتفق معه بطبيعة الحال. ولكن ما يلفت للنظر ويثير الغثيان هو موقف المجتمع الدولي الخجول من موضوع الاستيطان. وللتوضيح فالمقصود هنا الولايات المتحدة بصفتها الدولة التي تعهدت ليس فقط بأمن إسرائيل بل بتوسع إسرائيل على حساب السكان الأصليين. وإلا لما أغدقت عليها بالمساعدات السخية والتي لا تخضع لمراقبة الولايات المتحدة كما تفعل عندما تمنح مساعدات لدول أخرى.

سيزور الرئيس بوش المنطقة يوم الثلاثاء القادم. واستبق الزيارة ببيان موقفه بشكل واضح من الاستيطان. فدعا في مقابلة مع رويتر إلى تفكيك المستوطنات غير الشرعية لأنها عائق أمام السلام.

بيد أن فخامة الرئيس لم يتكلم عن المستوطنات الكبيرة مثل معاليه أودوميم التي تحتل المنطقة الواقعة بين القدس وأريحا، ولا مستوطنة أرئيل التي تعتبر من كبريات المستوطنات التي تؤثر على تواصلية الأرض الفلسطينية. الحديث فقط عن بؤر استيطانية. وهذا ما وضحه حاييم رامون عندما قال:quot;إن جهدا سيبذل لإزالة البؤر الاستيطانية التي تقع إلى الشرق من الجدار العازلquot;. وهنا الحديث عن الاستيطان quot;غير الشرعيquot; بمعنى غير المرخص من قبل حكومة احتلال. إذا لم يكن هذا الكلام جوهر وعين quot;الخوتسباquot; فما هو الكلام الذي يكون!!

كتبت وغيري في السابق عن أن الموقف الأميركي من موضوع الاستيطان هو جزء أساسي من المشكلة وليس من الحل. فقد تطور الموقف الأميركي من اعتبار الاستيطان غير شرعي إلى اعتباره عائقا أمام السلام إلى خوتسبا أميركية مبتكرة جاءت على شكل رسالة الضمانات التي تمنح الشرعية للاستيطان. من هو إسرائيلي يفسر الموقف الأميركي بأنه مؤيد للاستيطان والاستمرار في قضم الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبالتالي يبدو من غير الواضح كيف يريدنا بوش وغيره أخذ quot;التزامهquot; بحل الدولتين على محمل الجد. لقد وصلتني آخر خريطة ملونة للمستوطنات الإسرائيلية في القدس والضفة الغربية. وقد بدت لي كقطعة الجبن السويسرية التي يوجد بها ثقوب أكثر من الجبن. والخريطة واضحة وتجعل أكثر المؤمنين بحل الدولتين يشكك بقابلية هذا الحل مع التواجد الاستيطاني المكثف.

مرة أخرى، ستمر زيارة بوش من دون أن تخلق زخما إضافيا لعملية السلام. فبوش غير ملتزم بحل الدولتين بشكل عملي، ولو كان ملتزما لتبنى سياسات واضحة وصارمة تجاه الاستيطان الذي يتعارض مع رؤية بوش للحل. فيعتقد بوش أن الولايات المتحدة تستطيع أن تتحمل استراتيجيا فشل عملية السلام وهو لا يرى العملية إلا من منظور احتواء إيران. لذلك اعترف أن جزءا من زيارته يهدف إلى احتواء إيران. الإسرائيليون أكثر من يعي ذلك لذلك لا نجد أي نقاش عام بالشكل الذي كان دائرا في الثمانينيات وبداية التسعينيات حول مستقبل الأرض المحتلة. فالقرار الاستراتيجي الذي يجمع عليه الإسرائيليون هو انفصال عن الفلسطينيين لضمان يهودية الدولة على أن يتم ذلك على أكثر أرض ممكنة من الضفة الغربية.

أخيرا، لم تنجح إدارة بوش لغاية الآن في تغيير أجندة النقاش العام في إسرائيل، وهي لم تحاول في الأصل.