أحمد المرشد
يدفع المشهد في لبنان باتجاه تصعيد الأزمة إلى حدود لا تحمد عقباها، فالمواجهات تحتدم بين الموالاة والمعارضة، والتصريحات والملاسنات تشبه القنابل في تأثيراتها. ونلحظ على هذا المشهد التضارب الحاد بين مجموعتي 14 آذار و8 آذار، وكأن هذا الآذار خلق ليكون جدالاً بين اللبنانيين وشهراً يفرق بينهم، وليس جامعاً لقواهم وعشائرهم وأطيافهم السياسية والدينية. وإذا تقدم طرف بمبادرة سياسية للخروج من الأزمة المستعصية، عرقلها الطرف الآخر واتهمه بالتواطؤ مع قوى أجنبية وإقليمية ودولية من أجل تدويل الأزمة، وكأن العالم أعمى لا يرى ولا يسمع بمشكلات لبنان.
فالمعارضة تتهم الأكثرية بليّ الحقائق والذراع والإصرار على تعديل الدستور، قائلة إن ادعاء هذه الأكثرية بأن التعديل يهدف إلى تجنب البلاد الأزمات السياسية وإيجاد حل توافقي، هو مجرد تشويه للحقائق، لأن المادة 74 من الدستور تقر مسألة ترشيح العماد ميشال سليمان رئيساً. وبالتالي، فإن قائد الجيش ليس بحاجة إلى إجراء تعديل دستوري طالما أن مواد الدستور الحالية تسمح بانتخابه.
إن من يرصد التصريحات والاتهامات وتطورات الأحداث في لبنان يصاب بحالة من الغم، فالمعارضة تعلن انها لا ترفض ميشال سليمان كشخص، ولكنها تتوقف فقط عند محاولة الأكثرية والحكومة فرض رأيها ومواقفها على بقية اللبنانيين. وتقول المعارضة إنها تطالب فقط باحترام العملية السياسية عبر التوافق على سلة متكاملة وواضحة ومضمونة تؤهل للانطلاق من الأزمة إلى وضع الحلول اللازمة للخروج منها.
في حين لو انتبهت المعارضة، لوجدت أن اللبنانيين يأملون أن يحمل العام الجديد حلاً للأزمة السياسية التي تتفاقم مع كل يوم جديد، بعدما تعذر على فريقي الأكثرية والمعارضة الاتفاق على مخرج دستوري أو سياسي يسهل اجتماع مجلس النواب لانتخاب قائد الجيش رئيساً جديداً للجمهورية.
وحتى الدعوة السعودية المصرية لعقد اجتماع تشاوري لوزراء الخارجية العرب لبحث سبل إيجاد مخرج مشرف للأزمة اللبنانية، لم تسلم هي من انتقاد المعارضة اللبنانية، حتى قبل أن تبدأ الاجتماعات وتخرج ببيان شامل نحو حل الأزمة. وتباينت ردود فعل الفرقاء اللبنانيين، ففي حين انتقد نبيه بري المبادرة مباشرة قائلاً: ldquo;يكفي ان يتصالح العرب في ما بينهم وكلانا (هو وأمين عام الجامعة العربية عمرو موسى) على يقين بأن لبنان عندئذ بألف خيرrdquo;، ورحب بها رئيس الحكومة السابق سليم الحص، وهو السياسي الخبير بالشأن اللبناني وأحد سياسيه الكبار، الذي وضع يده على المشكلة اللبنانية.. التي وصفها بrdquo;الدرسrdquo; الذي تعلمه اللبنانيون من أزماتهم الوطنية، وهو أن ldquo;لا أزمة في لبنان تنتهي بغالب ومغلوبrdquo;، فالمتضرر الرئيسي هو لبنان نفسه.
وقال الحص ملخصاً أزمة بلاده: ldquo;من المعروف أن أطراف النزاع في لبنان لا يجتمعون إلا بمبادرة من الخارج، فالعجب أن النزاع داخل لبنان على أشده سياسياً ولا حوار فيه ولا من يتحاورون، لا بل ولا حتى أي شكل من أشكال التواصل بينهم، فكيف يمكن ان نرتجي حلاً لأزمتنا المستعصية؟rdquo;. ومن هنا جاء ترحيب الحص باجتماع وزراء الخارجية العرب لعله يكون مناسبة لتقريب وجهات النظر المتباينة بين الفرقاء.
ان الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب قد خرج بجملة من الحلول الجادة لإنهاء الأزمة اللبنانية وإخراج هذا البلد الشقيق من هذه الدائرة المميتة ولإنهاء الخوف الذي يسيطر على اللبنانيين، في ظل الغموض الذي يلف ملف الاستحقاق الرئاسي بعد تعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية رغم مرور المدة الدستورية المحددة.
إن معظم الشعب اللبناني وجد في تدخل الجامعة العربية مخرجاً نحو الأمل الذي يحدوه في أن يكون عام 2008 بعكس سلفه، عاماً يأتي بالنجاحات وليستعيد لبنان فيه عافيته السياسية والاقتصادية، وليعود عضواً فاعلاً في الوطن العربي. وعلى هذه الخلفية، جاء التأييد العربي لمقررات اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي استضافته الجامعة العربية بالقاهرة الأسبوع الماضي.
مقررات هذا الاجتماع تتوافق تماما مع الرؤية اللبنانية الصائبة وهي: انتخاب رئيس توافقي وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كل الأطراف، ثم تعديل القانون الانتخابي بشكل يضمن العدل عبر اعتماد التمثيل على وحدة المجمعات الانتخابية. ويبقى أن ننتظر يوم السابع والعشرين من يناير/ كانون الثاني الجاري موعد إعلان نتائج اجتماعات الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى مع مختلف القوى اللبنانية، ولعل النتيجة تكون إيجابية هذه المرة بعد فشل محاولات سابقة.
وحتى يأتي ضوء من نهاية النفق ليعود لبنان مفخرة الشرق، وليس لبناناً يتطاحن أهله ويختلفون حول معنى الفعل ldquo;يتفقrdquo;، ويتشاجرون بشأنه، فالبعض يطالب بانتخاب رئيس بrdquo;التوافقrdquo;، في حين يشترط فريق آخر أن يكون اختيار الرئيس بrdquo;الاتفاقrdquo;.
التعليقات