صالح عبد الرحمن المانع
عقد مركز الخليج للأبحاث اجتماعه السنوي في الرياض في الأسبوع الماضي، والذي جمع نخبة من المتخصصين من داخل منطقة الخليج وخارجها. وقد طرحت عدّة أوراق ورؤى في هذا المنتدى. وتساءل البعض: هل الوضع الاستراتيجي لمنطقة الخليج هو أفضل اليوم مما كان عليه قبل عام مضى؟ ودللوا على رؤيتهم بتراجع حدّة التهديدات الموجهة لإيران، عقب إصدار وكالات المخابرات الأميركية لتقريرها قبل شهر مضى. وكذلك تراجع حدّة العمليات الانتحارية في العراق، وظهور فاعلين جدد على الساحة العراقية مثل قوات quot;الصحوةquot;، التي تمثل القبائل العربية، مقابل الأحزاب والقوى التابعة لإيران في العراق. وهي قوى جديدة لم تكن موجودة قبل عام مضى، ويمكن أن تمثل محاولة من قبل الولايات المتحدة لإيجاد توازن داخلي بين القوى الفاعلة على الساحة العراقية.
وردّ آخرون بأن الوضع الاستراتيجي مع مطلع هذا العام لم يصبح أفضل مما كان عليه في العام الماضي، بل إن أية تغيّرات تحدث اليوم هي تغيرات وقتية وتكتيكية، وأن الصورة الاستراتيجية الكبرى لا زالت كما هي، فإيران ماضية في تطوير برنامجها النووي ذي الطابع السلمي، ولكنه يحمل ملامح سرّية، ويمكن أن يتحول في أي وقت إلى أهداف عسكرية بدلاً من الأهداف السلمية. كما أن نفوذها في العراق وفي لبنان وغيرهما من دول المنطقة ليس في تراجع، بل هو في تزايد مستمر، وأن إيران حسب تصريحات الإمام الخامنئي مؤخراً هي على وشك القبول بحوار استراتيجي شامل مع الولايات المتحدة، ويشمل العراق والبرنامج النووي الإيراني، وغيرهما من المواضيع المتصلة بنفوذها المتزايد في المنطقة، وأن اللوبي الإسرائيلي هو الذي يعمل بشدة على الساحة السياسية الأميركية لمنع تطوير أي حوار سياسي حقيقي بين واشنطن وطهران.
وطرحت ورقة أخرى بأن منطقة الخليج العربي تتمتع بالفعل بإطار أمني فاعل، وهو إطار تقدمه الولايات المتحدة والدول الغربية، وأن هذا الإطار كان قد تم تفعيله في المنطقة قبل قرن ونصف، ويقوم على أساس معادلة تربط الحماية الخارجية، بعدم تدخل الحامي الأجنبي، سواء كان ذلك الولايات المتحدة أو بريطانيا، في الوضع الداخلي، وأن هذه المعادلة أثبتت نجاعتها وفعاليتها طوال تلك الفترة الماضية، ولا زالت تثبت فاعليتها حتى اليوم.
وفي المقابل، ذهب آخرون إلى أن منطقة الخليج بحاجة إلى سياسة أمنية جماعية ترتكز على تعاون دول المجلس وصياغة شاملة تحدد الأهداف والتحديات ومصادر الخطر، وتضع آليات ناجعة لإدارة المخاطر بحيث تكون هذه الخطة بمثابة خريطة طريق يتم بموجبها بناء القوات العسكرية لدول المجلس، وصرف الأموال على الأجهزة الأمنية المختلفة، وتعتمد كذلك على خليط من الآليات الدبلوماسية والعسكرية والأمنية والثقافية، وأن مثل هذه الاستراتيجية الأمنية يمكن أن تشخّص الأخطار على المدى الآني، والمتوسط (5 سنوات) والبعيد (10 سنوات)، وأن مثل هذه السياسة تحتاج في صياغتها إلى إجماع داخلي من المواطنين حتى نضمن تفعيلها وحتى تقبل شعوب المنطقة بالثمن المادي الذي يجب أن تدفعه مقابل تنفيذ تلك السياسة، أو السياسات الأمنية والاستراتيجية.
وذهب بعض المشاركين إلى أهمية العلاقات مع الولايات المتحدة في الحفاظ على أمن الخليج في المدى المنظور. وأجمعوا على أن الدول الآسيوية برغم اعتمادها المتعاظم على نفط الخليج ليست مستعدّة في الوقت الحاضر من أجل لعب دور جوهري في أمن المنطقة وأمن ممراتها المائية. وضربوا على ذلك مثلاً باليابان التي ظلت، برغم اعتمادها الكامل على نفط الخليج، تبتعد عن تحمل أية مسؤوليات عسكرية في المنطقة. وذهب البعض إلى أن الولايات المتحدة ستبقى قواتها البحرية (12 قطعة عسكرية) في بحر العرب والخليج العربي في المدى المنظور، حتى وإن لم توافق دول الخليج على بقائها في قواعدها البرية، حيث إن تواجد تلك القطع البحرية في أعالي البحار، هو أمر تسمح به قواعد القانون الدولي.
وتساءل البعض: كيف يمكن تفسير هذا التواجد الأميركي المكثف في المنطقة، بالرغم من عدم اعتمادها في وارداتها النفطية على أكثر من 3% من الواردات من منطقة الخليج العربي؟ وأجاب آخرون، بأن هذا الاهتمام هو جزء من سعي واشنطن الحثيث لبناء إمبراطوريتها، والتحكم في سعر هذه السلعة المهمة لمصلحة حلفائها، وللتأثير على منافسيها.
كما أشار بعض الاقتصاديين المشاركين كذلك إلى أن سياسات واشنطن في المنطقة مثل الحظر الاقتصادي على العراق في التسعينات، ومنع الصادرات العراقية ومنع أي استثمارات جديدة في الحقول العراقية والإيرانية، ربما تكون مسؤولة عن الشح الهائل الذي تشهده الأسواق في هذه السلعة، مما قاد إلى ارتفاع كبير في سعر برميل النفط.
وربط آخرون سعر النفط الحالي في الوقت الحاضر بفرص نشوب حرب أميركية- إيرانية، وذهبوا إلى أن كل زيادة في الأسعار تعني تراجع إمكانية اندلاع مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران. وهو ما قد يفسر، بالإضافة إلى عامل الانتخابات الإيرانية المقبلة، الاستفزازات العسكرية بين الزوارق الإيرانية والبوارج الأميركية في مضيق هرمز في الأسبوع الماضي.
التعليقات