سيف الإسلام بن سعود بن عبد العزيز

حل في بلاد العرب قبل أيام ضيف ثقيل في ميزان الدبلوماسية الدولية وفي الميزان العسكري، لكن ثقله خفيف جداً في الميزان الأخلاقي حسبما يعتقده سكان المنطقة العربية.
لابد بدايةً أن نعترف بأن الزائر الأميركي هو رئيس لأقوى دولة في العالم وأن أكثر أوراق لعبة الأمم في يديه، وأن الحلول لمشاكل عديدة في منطقتنا أو في بقية العالم يمكن تتعرقل أو تسير نحو الانفراج لو أن هذا الزعيم العالمي أراد وإدارته ذلك. وفي المقابل لابد من الاعتراف بأن حقائق مثل التي ذكرناها سابقاً بدأ التشكيك يغزو ثباتها وتماسكها، فالأمم المحتلة وبأسلحة بدائية حطمت الكبرياء الأميركي وأدمته، يحدث هذا في العراق وأفغانستان. والبدائيون -كما تُصنفهم كتابات العنصريين- يهددون بوسائلهم البسيطة أمن القوة الكبرى، ليس في الخارج فقط بل في الداخل. العملة الخضراء التي لطالما هيمنت على الأسواق المالية في العالم، تضعف شيئاً فشيئاً وتحل بدلاً منها عملات أوروبا العجوز والبلاد التي يُحيطها السور العظيم، التفرد الصناعي والاقتصادي والأميركي وتفوقه السابق أمرٌ أصبح في ذمة التاريخ بعدما غزت الأسواق منتجات البلاد التي يحكمها حزب شيوعي ويسيرها اقتصادي رأسمالي!
تفكك الاتحاد السوفييتي في أوائل تسعينيات القرن الماضي والذي كان يعني وحدانية القطب العالمي. تبدل إلى نشوء قوة وريثة اسمها (روسيا) تهدد بلاد زائرنا بالصواريخ النووية وبسلاح quot;الفيتوquot; وبمد الدول المارقة بالسلاح.

البترول الرخيص الذي كان يحرك الآلة الصناعية الأميركية منذ أكثر من سبعين عاماً أصبح يسجل رقم المئة دولار للبرميل، مع احتمال أن يرتفع في المستقبل المنظور إلى ما فوق هذا الرقم بكثير.
الدول المهيمنة والمتحكمة في العالم منذ بدء الخليقة دائماً لا تحظى بمحبة الشعوب المغلوبة سوى في استثناءات تاريخية قليلة، أما (الولايات المتحدة الأميركية) التي مر على منطقتنا رئيسها هذه الأيام، فإنها تملك رصيداً غير مسبوق من الكراهية والحقد ومقاطعة شعوب كثير من أصقاع العالم، وذلك لنشرها ثقافة القوة والهيمنة وتهميش من يخالفها الرأي والتوجه. بل وتعادي مُبادلها النصائح العابرة والمتواضعة، في كيفية التعامل مع الآخر صاحب المواقف المتباينة، وهو أمرٌ تفرضه طبيعة الاختلاف بين الأمم.

ورغم ذلك كان لابد أن تتطلع منطقتنا إلى زيارة كهذه من قبل رئيس أقوى دولة على وجه الأرض. أجندة الزائر الكبير مختلفة جداً عن أجندة قادتنا، إنما لابد أن نضع هذا الاختلاف على طاولة محادثاتنا. للزائر وجهة نظر حول كيفية التعامل مع الجيران حولنا وقبل ذلك حول قضية العالمين العربي والرأسمالي الأول... فلسطين، لكن ذلك لا يمنع أن نعيد للمرة الألف ما سبق ورددته تراثيات الدبلوماسية العربية طويلاً، لعل الضيف الكبير ينصت في آخر أيام ولايته لمنطق العدالة والإنصاف. ستقول الدبلوماسية العربية والخليجية -بالتأكيد- إنها خائفة جداً من الطموح الإيراني في المنطقة, ومن تلك الضبابية حول برنامجها النووي الذي تقول إنه سلمي. لكننا نختلف معه في طريقة المعالجة لهذا الموضوع الشائك. يقترح عليه مُفاوضوه أن يجرب كل الحلول الممكنة سلمياً وأن يترك مساحة كبرى للوكالات المختصة لدراسة وتقييم البرنامج النووي الإيراني قبل أن يتم التفكير -مجرد التفكير- بحلول أخرى قد تقود المنطقة واقتصاد العالم للخطر. وهم يعرفون تلهف إسرائيل في إشعال حرائق جديدة (خلاقة) في إقليمنا. لكنهم يطلبون -بالتأكيد- أن يتفهم زائرهم غير الاعتيادي الفرق بين ضرب حقل من الزيتون والحمضيات في إسرائيل وضرب حقل بترولي قد يحرم سوق النفط العالمي من ربع الإنتاج، وحتى إن أخطأ الصاروخ أو دمره صاروخ مقابل، فمن يضمن ألا تصيب الشظايا شريان الحياة الأهم... مصانع تحليه المياه وأنابيبها؟

الوضع في العراق يأخذ حيزاً كبيراً من الهم العربي والخليجي المطروح على طاولة رمز بلاد quot;العم سامquot;. هو بالطبع أزاح تلك الفكرة المجنونة والغرائبية التي بشر بها العالم، والقائلة بأن العراق سيكون فناراً للديمقراطية في المنطقة، وبدلاً من ذلك سيحاول استخلاص طرق الخروج بأقل الخسائر من تلك الورطة بحكم معرفة مفاوضيه المقابلين بأوضاعهم وحقيقة ثقافة شعوبهم، يقولون إن حكومة مركزية قوية تمثل جميع شرائح ومذاهب واتجاهات الشعب العراقي ستساعد على تهدئة الوضع مؤقتاً، لأن الحل النهائي هناك يتطلب عوامل وأسساً كثيرة ومتناقضة للمشروع الأميركي في المنطقة. لكنهم -في الغالب- سينبهون الزائر الاستثنائي إلى أن مخاطر بقاء الوضع العراقي كما هو وقياس التقدم بكم عدد الجنود الأميركيين القتلى في شهر فقط دون الالتفاف للمخاطر الجمة القادمة هو قصر نظر سيدفعه المحتل والمحتلون ومن يقع بينهم وبجانبهم.

أمر أكيد يطلبه الزائر الذي أقلته طائرة الرئاسة رقم واحد: زيادة في الإنتاج البترولي وذلك حفاظاً على الاقتصاد العالمي، وكذلك مساعدة في حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين من خلال صندوق عالمي خليجي، كما يطلب -في الغالب- إقامة منظومة تسليح متطورة لمقابلة خطر الجانب الآخر من الخليج.

وفي المقابل ينتظر الجميع من العرب والخليجيين مواقف بعيدة عن كلمة (لعم) وعندي حدس قوي في هذه المرة أن مصالح أمتنا وأمنها وضريبة التمسك بالمواقف المبدئية التي يدفع الجميع حقوقها -الآن- كان لها الفيصل في الرد على أسئلة ومطالب الزائر الثقيل، والذي نرجو أن نحتفظ بصداقته وعلاقة المصالح المشتركة مع بلاده في نفس الوقت الذي تُربط فيه هذه الصداقة والعلاقات الخاصة، بمبدأ قامت عليه دولته، وأشارت إليه بنود دستوره: العدالة والحرية!