فلاديمير سادافوي
في الوقت الذي كان فيه الرئيسان بوش وساركوزي يقومان بجولتهما في الشرق الأوسط للترويج لبيع الأسلحة والتكنولوجيا النووية السلمية، كان الرئيس الروسي بوتين يخترق هو أيضاً عمق أوروبا وحلف شمال الأطلسي في مهمة للترويج للتكنولوجيا النووية السلمية الروسية، هذه التكنولوجيا التي يسعى الغربيون لاحتكارها في الأسواق العالمية، ويسعون للحد من النفوذ الروسي فيها، وربما هذا يفسر الصراع المحتدم حول البرنامج النووي الإيراني على مدى الأعوام الماضية.
حيث يلعب الجانب الاقتصادي دوراً أساسياً وهاماً فيها، وهو ما سبق أن صرح به الرئيس الروسي بوتين حيث قال إن سوق التكنولوجيا النووية السلمية العالمية يشوبها عدم النزاهة في المنافسة وتلعب فيه العوامل السياسية دوراً كبيراً.
الخبراء الدوليون في مجال الطاقة يعرفون جيداً أن سوق التكنولوجيا النووية هي الواعدة في المستقبل القريب بسبب نقص إمدادات النفط في العالم وعدم مقدرة الغاز الطبيعي على الإحلال محل النفط في تشغيل الصناعات الثقيلة، ولهذا يتوقع أن تصاعد حدة التنافس على أسواق التكنولوجيا النووية بدرجة قد تصل لحد الصدامات والنزاعات المسلحة مثلما فعل النفط على مدى العقود الماضية.
روسيا بشهادة الخبراء هي الأقدر على المنافسة في أسواق الطاقة النووية السلمية، حيث ان تقنياتها لا تقل كفاءة عن التقنيات الغربية وتتفوق عليها بشكل كبير في التكلفة، حيث تبلغ نفقات المفاعلات النووية الغربية أكثر من ثلاثة أضعاف الروسية.
هذا إلى جانب الضمانات التي تقدمها الشركات الروسية من أعمال صيانة دورية وتوريد للوقود النووي، وهو ما تفتقده العقود الغربية التي تفصل بين بناء المفاعل والصيانة الدورية له، وكذلك لا تتضمن العقود الغربية توريد الوقود النووي بل تجعله بعقود منفصلة وباهظة التكلفة.
ربما لهذا وصل الصراع على البرنامج النووي الإيراني إلى حد التهديد بالحرب، ولكن هناك دولاً كثيرة لا تتأثر بالتهديدات ولا بالتحذيرات الغربية من اللجوء للتكنولوجيا النووية الروسية، وقد نجحت الشركات الروسية خلال العامين الماضيين في توقيع عشرات العقود لبناء محطات نووية في دول عديدة مثل الصين والهند وحتى في أوروبا نفسها.
وربما يكون آخر مثال على ذلك العقد الذي وقعه الرئيس بوتين في بلغاريا منذ أيام، علماً بأن بلغاريا دولة عضو في الاتحاد الأوروبي وأيضاً في حلف الناتو، ولكنها فضلت مصالحها الخاصة في التعامل مع روسيا على مصالحها العامة مع الاتحاد والحلف.
لقد شارك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال زيارته الأخيرة إلى الخارج بصفته رئيساً للدولة، في مراسم توقيع الاتفاقية حول بناء المحطة الكهرذرية في بيليني في بلغاريا. وبهذا الشكل حصل هذا المشروع الهام في مجال الطاقة الذرية بالنسبة لكل من البلدين في 18 يناير في صوفيا على أقوى الضمانات الحكومية.
وتعد المحطة الكهرذرية laquo;بيلينيraquo; الأمل الوطني لبلغاريا في إعادة دور القوة الرائدة في مجال الطاقة لها في منطقة البلقان.
ورغم أن الاتحاد الأوروبي الذي انضمت إليه بلغاريا طلب منها توقيف 4 مفاعلات laquo;غير آمنةraquo; للمحطة الكهرذرية laquo;كوزلودويraquo; التي بنيت في العهد السوفييتي.إلا أن هذا لم يخف بلغاريا ولم يجعلها تتردد في التعامل مع التكنولوجيا النووية الروسية الحديثة التي حازت ثقة العشرات من دول العالم.
وسيتيح المشروع الذري laquo;بيلينيraquo; تغيير الوضع. فقد تم إعلان مناقصة دولية مفتوحة لنيل حق تنفيذ المشروع، وبعد منافسة قوية فازت الشركة الروسية laquo;آتوم ستروي اكسبورتraquo; بالشراكة مع الشركة الفرنسية Areva NP والشركة الألمانية Siemens بالمناقصة، متغلبة على ائتلاف Skoda Alians (تشيكيا)- Westinghouse (الولايات المتحدة).
وفي 31 أكتوبر عام 2006 أعلنت الشركة الوطنية الكهربائية البلغارية رسمياً فوز المشروع الروسي في المناقصة. وبهذه الصورة فتح أمام التكنولوجيات الذرية الروسية الطريق إلى أوروبا في التاريخ الحديث.
وقد باشرت شركة laquo;آتوم ستروي اكسبورتraquo; بتنفيذ المشروع في 1 يناير 2007. حيث حصلت الشركة على شهادة نادي EUR التي تنص على مطابقتها للمعايير الأوروبية، وفي غضون عام كامل جرى التحضير للمشروع التصوري التقني للمحطة الكهرذرية.
وفي آخر المطاف وضعت النقطة الأخيرة في هذا العمل المضني: فقد وقع العقد من الجانب الروسي رئيس شركة laquo;آتوم ستروي اكسبورتraquo; سيرغي شماتكو ومن الجانب البلغاري - المدير العام التنفيذي للشركة الوطنية الكهربائية لوبومير فيلكوف والمدير التنفيذي مارديك بابازيان.
وتعد المحطة الكهربائية laquo;بيلينيraquo; اليوم أكبر مشروع للتعاون الروسي البلغاري وأول محطة ذرية لروسيا في الاتحاد الأوروبي. وتصل قيمة المفاعلين الذريين (من نوع المفاعل الطاقوي المائي) بطاقة 1000 ميغاواط إلى997,3 مليارات يورو.
وتضمنت الاتفاقية الموقعة في صوفيا الشروط الأساسية لتنفيذ المشروع والتزامات الجانبين. وستبني روسيا المحطة الكهرذرية في بيليني كاملة من بدايتها إلى نهايتها، وستقوم بتوفير الكادر الهندسي وتوريد المعدات. وتتحمل شركة laquo;آتوم ستروي اكسبورتraquo; المسؤولية عن إدارة المشروع.
وتشكل فترة صلاحية المفاعلين للمحطة الكهرذرية laquo;بيلينيraquo; أكثر من 60 عاماً. وتضم معدات المفاعلين أنظمة المراقبة المحدثة والتشخيص التي صممها العلماء والخبراء الروس.
وقد تم تزويد نظام الحماية للمشروع بأنظمة فعالة للأمن بما في ذلك استخدام laquo;المصيدةraquo; ـ آلة تعمل على تشخيص الانصهار داخل المفاعل. وسيتم تزويد المحطة بنظام رقمي للإدارة الآلية للعملية التكنولوجية من إنتاج Siemens.
بالإضافة إلى تلك الجوانب المتعلقة بالأمان سيوفر المشروع الحصول على مؤشرات تقنية اقتصادية عالية بواسطة خفض مدة التعطل الإجباري وزيادة فترة خدمة الآلات الأساسية ورفع معامل استخدام الطاقة المقرر حتى 90 بالمئة وكذلك إمكانية توفير التدفئة للاحتياجات المنزلية.
ويثير مشروع laquo;بيلينيraquo; اهتماماً كبيراً من وجهة نظر تكامل الخبرة الدولية لإنشاء المحطات الكهرذرية. ويرى الخبراء أن المشروع هو تمازج ناجح للتكنولوجيات الروسية والأوروبية لقطاع بناء الآلات الذرية. وتستخدم شركة laquo;آتوم ستروي اكسبورتraquo; صيغة محدثة للتعاون مع الشركاء.
وقد انضم إلى المشروع بالإضافة إلى مشاركة الكثير من المؤسسات والشركات الروسية الشريك الأجنبي الأساسي ـ الائتلاف الألماني الفرنسي CARSIBس (Areva NP، Siemens). ومن المتوقع أيضاً استقطاب الشركات التشيكية. وشكلت حصة مشاركة المؤسسات البلغارية في المشروع 30 بالمئة.
هكذا تقتحم روسيا سوق التكنولوجيا النووية العالمية بثقة واقتدار رغم محاولات البعض إبعادها عنها خوفاً من تفوقها فيها في المستقبل، وخاصة أن الأقاويل تتردد في الغرب كثيراً حول سعي روسيا لأن تصبح عملاق الطاقة العالمي في القرن الواحد والعشرين.
التعليقات