خيرالله خيرالله

ثمة حاجة إلى موقف عربي واضح وحاسم في آن حيال ما يتعرض إليه لبنان منذ فترة طويلة بهدف إخضاعه وإعادته إلى تحت الوصاية السورية. هناك قرار سوري واضح بمنع الوطن الصغير من انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفاً لذلك الذي يخجل اللبناني الشريف فعلاً من ذكر اسمه. يشمل القرار السوري تفكيك كل المؤسسات اللبنانية بما في ذلك تلك التي ليست تابعة للدولة ولكنها تعتبر من مقومات الكيان اللبناني. لو لم يكن الأمر كذلك لما كانت تلك الحملة المنظمة على البطريرك الماروني التي يشنها الصغار من أجل إسكاته ومنعه من ممارسة الدور الوطني الذي عوّد اللبنانيين من كل الطوائف والمذاهب عليه. هذا الدور الذي لم يتردد البطريرك صفير في تأديته كلما دعت الحاجة إلى ذلك. ألم يكن وراء البيان الأول الذي طالب في العام 2000، بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب تنفيذاً للقرار 425، بأن يباشر الجيش السوري انسحابه من الأراضي البنانية تنفيذاً لاتفاق الطائف؟
في حال تخلف العرب، عبر جامعة الدول التي لبنان عضو مؤسس فيها عن اتخاذ الموقف المطلوب، لن يخسروا لبنان فحسب، بل سيخسرون نفسهم أيضاً. ما على المحك مصير لبنان الدولة العربية المستقلة. في النهاية، سيصمد اللبنانيون في وجه الهجمة الشرسة التي يتعرّضون إليها التي يتولاها المحور الإيراني - السوري عن طريق أدوات معروفة على رأسها laquo;حزب اللهraquo; وأدوات الأدوات من طراز النائب ميشال عون الذي يصر على أن يكون شريكاً في اغتيال رفيق الحريري. لا يفسر الموقف الأخير للجنرال برتبة مهرج، الذي تحدث لقناة تلفزيونية إيرانية عن laquo;وثيقةraquo; تعود إلى العام 2000 موجودة لدى مديرية الأمن العام تتهم الرئيس الشهيد بأنه يرغب في توطين الفلسطينيين في لبنان، سوى ندمه على أنه لم يكن كغيره شريكاً مباشراً في الجريمة. يبدو عون في وضع من يريد إثبات أنه قادر على أن يلعب دوراً أكبر من الذي لعبه حتى الآن. تمثل هذا الدور في تغطية الجرائم السورية في لبنان، على غرار ما حصل الصيف الماضي عندما قبل بخوض انتخابات المتن ليأخذ مكان الشهيد بيار أمين الجميل. من الواضح أن بطل حربي laquo;التحريرraquo; وlaquo;الإلغاءraquo; لا يتورع عن أي مهمة قذرة ينتدب لها. عندما يتهم رفيق الحريري بالعمل من أجل التوطين، إنما يقدم للنظام السوري أوراق اعتماده مجدداً مع رسالة فحواها أنه على استعداد للذهاب إلى أبعد مما ارتكبه الرئيس اللبناني السابق الذي غادر قصر بعبدا أخيراً. من يخض laquo;حرب التحريرraquo; التي هجرت آلاف اللبنانيين في العامين1989 و1990 ومن يخض laquo;حرب الإلغاءraquo; التي وضعت حجر الأساس لإلغاء المسيحيين من المعادلة اللبنانية، يسهل عليه ارتكاب كل الوساخات دفعة واحدة...
سيصمد اللبنانيون ومعهم لبنان في وجه ما يتعرضون إليه. ولكن هل يصمد العرب الذين سعوا إلى تحقيق تسوية في لبنان بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية، فإذا بهم في مواجهة موقف سوري متعنت كان أفضل تعبير عنه كلام الرئيس نبيه بري، رئيس مجلس النواب، الذي نعى مبادرة جامعة الدول العربية مؤكداً بذلك أنه لاجئ سياسي عند laquo;حزب اللهraquo; وأن ليس أمامه سوى إبقاء باب مجلس النوّاب مقفلاً. يفترض في العرب أن يأخذوا في الاعتبار أن لبنان يعاني من الرفض السوري والإيراني لاتفاق الطائف الذي هو اتفاق عربي يحظى بمظلة دولية. لعل آخر دليل على الرفض السوري والإيراني للطائف الكلام الذي صدر عن الأمين العام لـ laquo;حزب اللهraquo; السيد حسن نصرالله قبل أيام. ركز نصرالله حملته على القرار الرقم 1559 الصادر عن مجلس الأمن في سبتمبر 2004 لأن القرار يستند إلى اتفاق الطائف. الهدف هو الطائف وكلام الأمين العام لـ laquo;حزب اللهraquo; يكشف حقيقة الموقفين السوري والإيراني. هذا ما يفترض في العرب استيعابه. الكلام عن القرار 1559 تفصيل. النظام السوري يبحث عن ذرائع للتخلص من الطائف، نظراً إلى أنه يجعل من لبنان وطناً نهائياً لأبنائه يعيشون فيه ظل نظام ديموقراطي. إن النظام السوري على غير استعداد للاعتراف بلبنان ويعتبره محافظة من محافظاته، في حين أن النظام الإيراني يرفض الطائف من منطلقات مختلفة على رأسها أن المطلوب بالنسبة إليه حصول انقلاب في البلد يؤدي إلى المثالثة بين الشيعة والسنة وبقية المسيحيين بدلاً من المناصفة بين المسيحيين والمسلمين التي في جوهر الطائف. يعتبر النظام الإيراني، الذي خطف الطائفة الشيعية في لبنان وجعلها أشبه برهينة لديه وحوّل جزءاً منها ميليشيا مسلحة تابعة له، ان من حقه امتلاك جزء من القرار السياسي عبرها. هذا ما يفسر الإصرار الذي يبديه laquo;حزب اللهraquo; وأدواته المسيحية على الثلث المعطل والسعي الدؤوب إلى جعل النظام اللبناني يدور على المثالثة والقدرة على التعطيل بدلاً من أن يكون نظاماً ديموقراطياً برلمانياً فيه أكثرية من كل الطوائف تحكم وأقلية من كل الطوائف تعارض.
قبل سنة تماماً، في الثالث والعشرين والخامس والعشرين من يناير 2007، سعى laquo;حزب اللهraquo; إلى السيطرة على بيروت. اصطدم بخطورة ما يشكله الطابع السني - الشيعي الذي ترتديه أي مواجهة في شوارع بيروت على النظام الإيراني. فكانت التعليمات الصادرة عن طهران بالتراجع، أقله موقتاً. في الوقت ذاته، أنزل ميشال عون أزلامه للسيطرة على المناطق المسيحية. خذله المواطن العادي وأجبره على الانكفاء. لم يتغير شيء منذ سنة. المحاولة الانقلابية مستمرة. مرة أخرى، سيصمد لبنان واللبنانيون في وجه المؤامرة الإيرانية السورية التي لا تبدو إسرائيل بعيدة عنها. الخيار العربي واضح. إما مع لبنان وصموده وإما التهاون حيال ما يستهدفه... الذي يستهدف العرب، كل العرب.