بيروت - quot; الراي quot;

تنفس اللبنانيون الصعداء بعد ظهر امس، مع مرور معظم النهار من دون حصول laquo;قطوعraquo; كان يخشونه مع اعلان قطاعات النقل البري والزراعة وبعض القطاعات النقابية الاخرى، الاضراب احتجاجاً على سوء الاحوال المعيشية والركود وتآكل الرواتب والمداخيل وازدياد الازمات الخدماتية على انواعها.
وباستثناء بعض الاعمال المتفرقة التي تمثلت في قطع طرق رئيسية في بعض المناطق سرعان ما اعيد فتحها، فان مجمل المشهد جاء مخالفاً للشحن والتوتر السياسي والاعلامي الشديد الذي سبق الاضراب والذي ساهم في تكبير المخاوف.
وبدت العلامة الفارقة في وقائع يوم الاضراب الذي جاء التجاوب معه laquo;خجولاًraquo;، في الحشد الكبير للقوى العسكرية والامنية في مختلف المناطق، ما شكل رسالة حازمة بضرورة حصر الاضراب في التعبير السلمي والديموقراطي من دون تجاوزه الى اعمال الشغب.
ومع ان قوى المعارضة لم تنكر laquo;رعايتهاraquo; المباشرة للاضراب، فان مروره بالحد الادنى من اعمال الشغب وقطع الطرق، ابرز ايضاً ان هذه القوى لا تزال ترسم لنفسها ضوابط بحيث لم تجعل الاضراب نقطة انطلاق بديلة للنزول الى الشارع مما يبقي على خيط رفيع بين فصل التحركات المطلبية والاجتماعية عن التحركات ذات العنوان السياسي الواضح المتصل بالصراع الكبير.
وفي المقابل، فان قوى الغالبية جهدت بدورها لاظهار نفسها في موقع الاستنفار والتحسب لاي طارئ، بدليل ان الامانة العامة لقوى laquo;14 مارسraquo; التأمت طوال ساعات الاضراب تحسباً لوقوع اي حادث او تطور، كان من شأنه ان يدفعها الى اعلان اجراء فوري من حانب القوى الموالية في مواجهته.
وفي اعتقاد المراقبين، ان اضراب البارحة كرسّ laquo;الستاتيكوraquo; الذي تعيشه البلاد على المستوى السياسي، ولو انه ابرز العامل الاجتماعي كواحد من laquo;الفتائلraquo; الخطيرة القابلة للاشتعال بتحريك او من دون تحريك ما لم يتم تداركه بحد ادنى من المعالجات الحكومية الممكنة. فالمعارضة لم تجد نفسها مضطرة الى خوض غمار مغامرة امنية خطيرة عبر استعادة تجربة نزولها الى الشارع قبل عام تماماً لانها تشعر بانها تسجل في السياسة نقاطاً متقدمة تغنيها عن ركوب المركب الخشن غير المأمون الجوانب والنتائج عبر النزول بقوة الى الشارع مع ما يرتبه ذلك من اخطار اشعال فتنة اهلية ومذهبية. والغالبية لا ترى نفسها مضطرة الى تجنيد تحركات شعبية مضادة وحتى تحت الشعار المطلبي لتترك اي تحرك معارض او يدور في فلك المعارضة في مواجهة مباشرة مع الجيش والقوى الامنية ونزع ذريعة الفتنة من اي ساع اليها.
وهذا laquo;الستاتيكوraquo; لا يبدو مرشحاً للتغير في المدى القصير او المتوسط خصوصاً ان مجمل المعطيات يشير الى ان اجتماع وزراء الخارجية العرب الاحد المقبل في القاهرة سيعيد تثبيت المبادرة العربية وتزويدها جرعة جديدة تمكن الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى من العودة الى بيروت لاحياء جهوده المكوكية حيال الازمة السياسية. وهذا يعني ان العرب سيأخذون على عاتقهم ملء الفراغ السياسي باستمرار وعدم ترك الوضع على حاله اقله لمنع حصول اي تطور سلبي اذا تعذر الحل السريع.
وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي تلقى اول من امس سلسلة اتصالات من عمرو موسى، أجرى حتى ما بعد منتصف ليل الاربعاء - الخميس اتصالات مكثفة مع الاتحاد العمالي العام والقيادات المعنية بالسائقين والمزارعين من أجل المحافظة على الإطار السلمي للتحرك وقطع الطريق على اي محاولة للتشويش عليه.
وعُلم ان بري شدد على laquo;تحييد بيروت عن أي تحركraquo;، وعلى ان يكون التحرك في باقي المناطق سلمياً ورمزياً من أجل تحقيق المطالب المحقة للسائقين العموميين والمزارعين والعاملين في هذين القطاعين والتي يجب تحقيقها، كما أكد عدم الإخلال بالأمن.
وبالتوازي مع laquo;حركة بريraquo;، وضعت قيادة الجيش خطة عسكرية بدأ تنفيذها عند الرابعة من فجر امس في العاصمة وكل المناطق اللبنانية، وقضت باقامة حواجز وتسيير دوريات ثابتة ومتحركة. وترافقت الخطة مع الإيعاز بالتعامل بهدوء مع أي حركات احتجاجية، مع أوامر صارمة بمنع قطع الطرق الرئيسية ومنع الاعتداء على المواطنين والمؤسسات العامة والخاصة.
وغداة اعلانه laquo;ان الخط الاحمر هو منع الفتنة، واي تحرك يؤدي اليها واي تحركات من نوع آخر وضمن حق التعبير لا مشكلة معهraquo;، واكب قائد الجيش العماد ميشال سليمان تنفيذ الخطة امس من مكتبه في وزارة الدفاع، فيما وضعت الألوية والوحدات المعنية في حالة جهوزية عالية تحسبا لأي طارئ وخاصة في بعض النقاط الحساسة في بيروت والضواحي والمناطق.
اما قيادة قوى الأمن الداخلي فعمدت الى دورياتها وزيادة عديدها على طول الطرق الرئيسية بعدما رفعت درجة التأهب والجهوزية في صفوفها وأعلنت حجز عناصرها لتكون على استعداد للقيام بأي مهمة تطلب منهم.
وفي المشهد الميداني المتصل بالإضراب، بدا واضحاً ان الانقسامات السياسية التي laquo;نخرتraquo; الجسم النقابي انعكست سلبا على نجاح التحرك الذي فجاءت نسب الالتزام به منعدمة في مناطق ومتفاوتة في اخرى، حسب الطابع السياسي والحزبي الطاغي فيها. وفي حين شهدت منطق جبل لبنان وبيروت والشمال والبقاع الغربي حركة طبيعية، تأثر الجنوب ومناطق البقاع الشمالي والاوسط حيث اعتصم المتظاهرون واحرقوا الدواليب وقطعوا بعض الطرق التي ما لبثت القوى الامنية ان عاودت فتحها. ونجح عناصر الجيش وقوى الامن الذين انتشروا بشكل كثيف في منع مظاهر الشغب والاخلال بالامن.
وقالت مصادر فريق laquo;14 مارسraquo; ان المتابعة الميدانية أكدت ان حتى الثانية من بعد الظهر laquo;لا مظهر من مظاهر الاضراب سوى في مناطق انتشار وقوة حزب الله كما حصل في بعلبك - الهرمل ومدخل بريتال والبقاع الاوسط وفي مثلث قرى شتورا - سعدنايل حيث حاولت مجموعات تنفيذ اعتصامات في ساحة شتورا وعلى بعض المفارق لكن الانتشار الامني حال دون ذلكraquo;.
وتابعت laquo;ان بعض الاحداث الامنية وقعت على طريق المطار القديمة وفي بعض احياء الضاحية حيث تم الاعتداء على سيارات فان تنقل الركاب في مناطق الكفاءات ومار مخايل وعلى طريق الجناح - الاوزاعي حيث منعت من نقل الركابraquo;.
في المقابل، اكد رئيس الاتحاد اللبناني لنقابات ومصالح النقل البري بسام طليس أن laquo;نسبة التجاوب تتجاوز 90 في المئة بالنسبة إلى السائقين العموميينraquo;. وأوضح أن laquo;التجمعات التي تحصل في المناطق هي تجمعات سلمية حضارية، معتبرا أن laquo;الإضراب عنوانه سلسلة مطالب قدمت للمسؤولين وعنوانه الفقر والجوع. لن نهدأ ولن نتوقف عن تحقيق المطالب، إن كان المسؤولون يسمعوننا أم لا، ورأى أن laquo;الاضراب حقق غايته والرسالة من المفروض أن تكون قد وصلتraquo;.
وكان البقاع شهد وتحديداً في شتورا تجمعاً نقابياً وعمالياً كبيراً حيث رفعت لافتات دعت إلى تحقيق المطالب.
وسجل حادث امني في بلدة النبي عثمان - القاع حيث اصيب الفتى علي حسين مصطفى نزها البالغ من العمر 12 سنة بطلق ناري في صدره وأدخل غرفة العمليات في مستشفى دار الحكمة للمعالجة.
وفي التفاصيل إنه وبينما كان المفتش الممتاز في الامن العام حيدر مصطفى يسعى للالتحاق بمركزه عند نقطة عبور جوسية القاع في سيارته المدنية نوع laquo;رانج روفرraquo;، وعندما حاول المرور في منطقة النبي عثمان حيث كان يتواجد متظاهرون ومحتجون حصل تلاسن بينه وبين المحتجين، فرُشق بالحجارة واصيبت سيارته بأضرار ما استدعاه الى إطلاق النار عشوائيا فأصاب علي. وعُلم ان المشاركين في التحرك هم منتسبون للحزب السوري القومي الاجتماعي.
وفي حين تحدثت معلومات عن قيام عناصر laquo;القوميraquo; باحتجاز مصطفى (الذي سلّم نفسه للأجهزة الامنية) والتعرض له بالضرب، اعلن الحزب laquo;ما حصل، ان القوميين عملوا على تأمين حماية العنصر المذكور، من ردة فعل الأهالي وغضبهم جراء سقوط جريحين بينهم طفلraquo;.
وفي بعلبك، حصلت عمليات قطع للطريق الدولي في اكثر من منطقة اعتبارا من التاسعة صباحا بالحواجز والسيارات والجرارات الزراعية مع تحركات كثيفة وتظاهرات احتجاجية ورفع شعارات منددة بالازمة الاقتصادية.
كما اقفلت المفارق الممتدة على طول الطريق الدولية من شتورا وحتى الهرمل بالاطارات المتنقلة والفانات التي تم ايقافها بعرض الطريق، وقام الجيش بفتح الطرق بالتنسيق مع الفاعليات النقابية.
وفي الجنوب، تظاهر نحو 150 سائقا في قطاع النقل المشترك في صور، وساروا في شوارع المدينة وهم يهتفون laquo;بدنا ناكل، جوعانينraquo;. وحملوا لافتة كتب عليها laquo;متمسكون بمطالبنا المشروعة. لا للظلم والحرمان. نعم للعدالةraquo;.
وفي الزهراني تم قطع الريق الساحلية على مفرق بلدة السكسكية بالعوائق والدواليب المحروقة، الا ان الجيش عاود فتح الطريق.
اما في صيدا وحاصبيا فلم تسجل اي تظاهرة غير عادية، وسارت الامور في شكل طبيعي.
وفي الشمال، بدت الحركة طبيعية وسط تعزيزات امنية حيث سجلت في طرابلس مع حركة سير عادية واجراءات اتخذتها القوى الامنية على الشارع العام.
وفي البترون، سجل انتشار واسع للجيش والقوى الامنية، ونظمت دوريات ليلية مكثفة، وتمركزت قوى من الجيش عند نفق شكا في الاتجاهين. كما نظمت دوريات راجلة ومؤللة ليلا نهارا في أنحاء المنطقة كافة.
وشهدت الاسواق التجارية والمؤسسات التجارية والمصارف والمصانع حركة تجارية كما فتحت المدارس ابوابها. وبدت منطقة جبل لبنان الاقل تأثراً بالحركة الاحتجاجية، اذ لم تشهد اي من المناطق اعتصامات واضرابات. ففي المتن الأعلى وعاليه وكسروان وجبيل لم تسجل أي تحركات من قبل المزارعين وأصحاب سيارات النقل العمومية، ولم يلب هؤلاء الدعوة إلى قطع الطرق والاضرابات نظرا للطابع السياسي الغالب على هذه المنطقة لقوى 14 مارس.