ممدوح طه
في الثقافة يجب الانتباه للتحذير القائل laquo;احذر من قرأ كتابا واحداraquo;، ولعلي أضيف أيضا laquo;واحذر من قرأ عدة كتب ولكن في اتجاه واحدraquo;، لأنه ليس فقط لن يتوفر له رصيد أكبر من المعلومات والرؤى ولا إطلالة أوسع على الصورة من زواياها الأربع، ولكن لأن الأخطر هو الوقوع أسيرا لرؤية واحدة ولن يكون بمقدوره القبول بغيرها متوهما أن ما قرأه هو كل شيء وغيره لا يعرف شيئا.
وفي الإعلام يجب الانتباه للتحذير القائل laquo;احذر القبول بنصف الحقيقةraquo; لأن نصف الدجاجة لن تلد بيضة، بينما الدجاجة الكاملة تلد بيضا كثيرا، وبالتالي فإن نصف الحقيقة لا يمكن أن يلد كل الحقيقة، ومفتاح صناعة التضليل الإعلامي وليس البحث عن الحقيقة هو التعامل مع نصف الحقيقة والجهل أو التجاهل للنصف الآخر من الحقيقة، من هنا تكون الرؤية من هذه الزاوية بجانب الرؤية من الزاوية الأخرى في الثقافة، وعرض الرأي والرأي الآخر في الإعلام هو مفتاح التنوير الإعلامي للرأي العام.
والكاتب الحقيقي في البداية هو الباحث عن حقائق الصورة من زواياها الأربع، ثم هو موقف شجاع لإظهار ودعم ما يرى أنه الحق، وفى نفس الوقت هو موقف لكشف ورفض ما يرى أنه ينحاز إلى الخطأ ويجافي الصواب ولا يتفق مع الحق ولا ينتصر للعدل، بعينين اثنتين لا بعين واحدة وبضمير مطمئن أن الرأي أمانة.
والكاتب السوي في النهاية ليس ولا يجب أن يكون موقعا لقلب الحقائق بقصد تضليل الناس لحسابه أو لحساب غيره، ولدعم ما يعرف أنه الزيف بعينين مغمضتين أو بعين واحدة أو بغرض سافر أو بضمير غائب.
والإعلامي الحقيقي في البداية ليس قاضيا، وإن كان عليه أن يتسلح بضمير القاضي، بل هو في النهاية محقق أو متحقق نزيه.
وشاهد أمين وليس شاهد زور، يروى للرأي العام شهادته عما تجمع لديه من وقائع، وهو من يسعى للحصول على الحقيقة في كل حدث أو قضية من مصادرها المختلفة، وهو في النهاية وبعد التحري والتمحيص بضمير الشاهد وليس مجرد الراوي المردد لأقاويل الآخرين، ولا يكتم الشهادة ما يكتشف أنه حقيقي حتى ولو على حسابه أو على حساب منبره الإعلامي وليس جناية متعمدة على الحقيقة.
ولأن المثقف أو الإعلامي في البداية والنهاية إنسان ذو عقل وعين وضمير إنساني، ومتاح له مالا يتاح لغيره من حق المعرفة وواجب الإدلاء بالرأي، فإن أشرف واجبات الإنسان السوي القلب والعقل والضمير، هو الوقوف مع ما يراه حق وضد ما يراه ظلم.
وأن يملك شجاعة تصحيح رؤيته وتصويب رأيه كلما عز عليه الضوء المتاح أمامه فوقع في الخطأ، وأن يراجع نفسه بل وأن يتراجع إذا شعر أنه وقع في ظلم أحد خوفا أو طمعا أو مجاملة لأحد، أو مجافاة لمبدأ إنساني أو ديني أو قومي أو وطني.
يجب كشف الحقائق بغير تجزؤ ولا تحريف أو تعتيم أو تزوير، كمقدمة ضرورية للرأي العام ليكشف من يقف معها أو ضدها، وهذا ليس فقط مرهونا بموضوعية المثقف أو بأمانة الإعلامي، بل هي في الأساس مرهونة بمناخ الحرية العام في المجتمع، وبثقافة الديمقراطية الحقيقية لا الشكلية أو المدعاة.
وبمدى ما للسلطة الحاكمة التي تملك في النهاية قرار المنح والمنع، وبمدى ما للسلطة من موقف رشيد أو عنيد من الحق والعدل والحرية. لكن يبقى الحق هو الأقوى، والحقيقة هي الأبقى من محاولات قصيرة النظر لتغطية الشمس بقرار أو بغربال! .
التعليقات