توفيق المديني

لايزال الغموض يكتنف انعقاد القمة العربية في دمشق في نهاية شهر مارس الجاري، على الرغم من التأكيد السوري بأن القمة ستعقد في موعدها المحدد وبمن يحضر من القادة العرب، فسورية تعمل لتأمين انعقاد القمة العربية، لكنها ليست مهتمة فعلا بمصيرها وبنجاحها أو إخفاقها لأن ذلك، من وجهة نظرها، مسؤولية عربية لا مسؤولية سورية وتشكل الأزمة اللبنانية، ولاسيما تأمين انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، وتنقية الأجواء العربية، أهم معضلة حقيقية تواجه القمة العربية.

لقد فجّرت الأزمة اللبنانية الخلافات العربية- العربية، وزادت من مخاوف جهات عربية عدة من أن يؤدي انعقاد القمة من دون انتخاب رئيس للبنان إلى ldquo;انقسام أكثر حدة مما عاشه العرب بعد غزو العراق للكويتrdquo; وهذا ما جعل الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى يقترح في محادثاته مع الرئيس الأسد مجموعة أفكار، بينها اقتراح تأجيل موعد القمة العربية شهرا اوشهرين، على أن تستغل هذه المهلة لضمان مشاركة واسعة ورفيعة في أول قمة عربية تستضيفها سورية.

في ظل هذا الوضع المعقد، تنامى الدور الإقليمي الفاعل للمملكة العربية السعودية، التي نجدها متورطة في الصراعات الأربعة الكبيرة، التي تتفاعل معاً في الشرقين الأدنى والأوسط.. فالسعوديون يتابعون عن كثب تطورات الأزمة اللبنانية، وقد حيّا الرئيس ساركوزي دورهم خلال المؤتمر الذي عقد في باريس مع بداية هذه السنة حول إعادة إعمار لبنان، وهم حذرون حول مايجري في العراق، على حدودهم، وهم يراقبون أخيراً بقلق تطورات الملف النووي الإيراني.. هذا الحضور المتعدد السعودي، ظهر خلال اجتماع ممثلي جامعة الدول العربية في القاهرة في إطار القمة السنوية.

يقول أحد الدبلوماسيين السعوديين ldquo; لقد كنا دائماً فاعلينraquo;، في تذكيره بأن الحرب الأهلية اللبنانية أنهيت في العام 1990 بفضل اتفاق الطائف تحت رعاية الملك فهد، ldquo;لقد تغيرت المنطقة والظروف فقطraquo;، وقد كان الأمير عبدالله، في فترة ولايته للعهد، وراء إطلاق المبادرة التي تبنتها جامعة الدول العربية في بيروت، في مارس (آذار) 2003 والتي تعرض على الكيان الصهيوني التطبيع مع كل أعضاء جامعة الدول العربية مقابل السماح بإقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967،وعاصمتها القدس.

وما يحصل حالياً في المنطقة من انقسامات خطيرة هو الذي يعطي للسعودية أهمية دورها، فالمعركة التي يخوضها السوريون وقوى المعارضة في لبنان تعتبر مصيرية واستراتيجية في آن معا، فسورية تريد أن يكون لها دور مباشر معترف به عربيا ودوليا في تسوية الأزمة اللبنانية، بما لا يتعارض مع الأهداف السورية الإقليمية، لأنها حريصة على تأمين أهداف أساسية هي : تعزيز موقع ldquo;حزب اللهrdquo;، وضمان احتفاظ الحزب بسلاحه، وحصول المعارضة على الثلث في الحكومة الجديدة بعد انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية، أومساواة المعارضة بالغالبية في توزيع المقاعد الوزارية، ومن خلال اختيار رئيس لهذه الحكومة ldquo;محايدrdquo; وليس منتمياً إلى الغالبية النيابية.

من جهتهم، حقق السعوديون نصراً، كان تقليدياً من نصيب المصريين.. فكون مصر تحتضن الجامعة العربية وحليفة الولايات المتحدة الأميركية، وأبرمت اتفاقيات سلام مع الكيان الصهيوني منذ أكثر من ربع قرن، بفضل اتفاق كامب ديفيد، يؤهلها لتكون ممثلاً للوسيط المثالي لحل الأزمة اللبنانية، ولتحقيق مصالحة وطنية بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس.

وباتت المملكة العربية السعودية هي المؤهلة للإجابة عن هذه المخاوف العربية من تفجر الأزمات اللبنانية والفلسطينية والعراقية، بمكانتها وقدرتها الاقتصادية، ومنذ سنة، فتحت طهران والرياض قناة رسمية للتحاور، وهذا ما لم تفعله مصر منذ زمن طويل.. هذه العلاقة مع إيران متناقضة ومعقدة، بما أن الجمهورية الإسلامية متورطة مباشرة أو بواسطة الثلث بالصراعات الأربعة للمنطقة.

ولإيران أيضاً مصالح ومريدون في لبنان، فالقيادة الإيرانية تريد فعلا أن يحظى أي حل للأزمة اللبنانية بدعم سوري ndash; إيراني حقيقي، وهذا يتطلب استجابة الغالبية النيابية لشروط المعارضة، سواء فيما يتعلق بانتخاب الرئيس ميشال سليمان أو بتشكيل الحكومة الجديدة، أو سائر القضايا التي تهم دمشق وطهران وحلفاءهما، كما أن السياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة في التمثيل الطائفي للمراكز السياسية في العراق، جعلت الأكثرية الشيعية تتقلد المناصب الرئيسية، وبعضها مرتبط بطهران.. وأخيراً، فإيران لا تنوي التخلي عن طموحاتها النووية.

وبما أن المملكة العربية السعودية محرومة تاريخياً من القوة العسكرية الفعليةndash; حيث تعتبر الحماية الأميركية قلب العلاقة بين واشنطن والرياض ndash; وهي تتمتع في نظر الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالقوة الرمزية، كونها حامية الحرمين الشريفين، لأن حكامها من السنّة، لذا فهي تحاول احتواء إيران بدلاً من مواجهتها.. هذا الخط الرسمي يحظى بموافقة معظم وجوه الحكم السعودية المعروفة في الخارج، الملك عبدالله، وولي العهد سلطان، ووزير الخارجية سعود الفيصل، وأخيراً بندر بن سلطان، السفير السابق في الولايات المتحدة، وحالياً الأمين العام لهيئة الأمن الوطني، ومهما كانت الحساسيات القائمة بينهم.

ولا تتقاطع المصالح السعودية في المنطقة دائماً مع مصالح الولايات المتحدة، ففي حين تشارك العربية السعودية في عملية العزل الديبلوماسي المطبق على سورية، خصوصاً بعد الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأسد في صيف العام 2006، لأنهم أدانوا بشكل صريح اختطاف الجنديين الصهيونيين من قبل ldquo;حزب اللهrdquo; في 12 يوليو (تموز 2006)، وهوما فجّر حرب الأسابيع الستة، وتتقاطع وجهات النظر أيضاً في لبنان، بيد أنه في حال العراق، الأمر ليس كذلك، ldquo;حيث تضرب السياسة الأميركية مصالح الحلفاء التقليديين بكل قوةraquo;، بدءاً بالسعوديين، حسب ما يشير إليه الخبراء.

في خضم التصعيد السياسي الحربي في لبنان والمنطقة، أثار قرار الولايات المتحدة إرسال المدمرة ldquo;يو اس اس كولrdquo; للعمل قبالة الشواطئ اللبنانية، أسئلة كثيرة حول التوقيت والأهداف، وقد تفاجأت أوساط لبنانية وإقليمية بهذه الخطوة التي جاءت من دون مقدمات، ولاسيما أن ليس في الوضع اللبناني ما يستدعي ذلك، لا من حيث إجلاء رعايا أميركيين، ولا من حيث معطيات تنذر بمواجهة إقليمية محتملة راهناً، انطلاقا من الأراضي اللبنانية.

استعراض القوة العسكرية أمام السواحل اللبنانية، هو قرار أميركي بامتياز، أراد منه الرئيس جورج بوش توجيه رسالة تحذيرية قوية إلى القيادتين السورية والإيرانية، مفادها أن إعطاء ldquo;حزب اللهrdquo; الضوء الخضر للقيام بعمل عسكري كبير ضد إسرائيل وضد أهداف إسرائيلية في الخارج، قبل انعقاد القمة العربية في العاصمة السورية نهاية أذار (مارس) ردا على اغتيال القيادي البارز في الحزب عماد مغنية في دمشق، ولاسيما أن الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية مقتنعة بأن الحزب لن يتخذ قرار المواجهة من دون التشاور والتفاهم مسبقا مع القيادتين السورية والإيرانية، كما حدث في حرب تموز (يوليو) 2006،سيكون له انعكاسات عسكرية وأمنية مباشرة، ليس على الساحة اللبنانية فقط، بل على مجمل منطقة الشرق الأوسط ككل، لجهة اندلاع حرب إقليمية شاملة، لن يحقق فيها ldquo;حزب اللهrdquo; وكذلك سورية وإيران المكاسب السياسية التي يأملون بتحقيقها.

من وجهة نظر واشنطن وعواصم أوروبية عدة، تعتبر دمشق العقبة الأساس لإجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان، وتوصل الفلسطينيين والاسرائيليين إلى اتفاق سلام، وهي فوق هذا وذاك، تسمح بتسرب المقاتلين الأجانب إلى العراق لمحاربة القوات الأميركية، إضافة إلى اعتقاد سورية أن الظرف الدولي مؤاتٍ لكي تواصل هجومها، ولاسيما أنها تعتبر أنها حققت انتصارات سياسية مهمة على جبهات عديدة، وخصوصا في لبنان.

من هنا ينبع التهديد الأميركي المباشر لسورية عبر استعراض القوة العسكرية على مقربة منها، وهوتهديد يقوم على أن الولايات المتحدة الأميركية لن تتراخى في قبضتها العسكرية خلال فترة الحملة الانتخابية الرئاسية، وأن الإدارة الحالية لن تسمح لسورية باستغلال هذه الفترة من أجل إحداث تغييرات في موازين القوى الراهنة، وبالتالي لن تتردد في تشددها تجاه سورية حتى آخر يوم من ولاية بوش.. وقال الرئيس خلال جولته الأخيرة لمنطقة الشرق الأوسط انه سيترجم هذا الكلام بالأفعال، وتعهد بأن تقوم واشنطن بمشاورات مع حلفائها الأوروبيين وأصدقائها في المنطقة العربية من أجل التحرك العاجل على هذا الصعيد.

في المقابل حملت أوساط سورية الإدارة الاميركية مسؤولية عرقلة الوصول إلى حل للأزمة اللبنانية، بدءاً من ldquo;قطع واشنطن الطريق على المبادرة السورية- الفرنسية، ووصولاً الى عدم دعم المبادرة العربية، وانتهاء بوصول ldquo;يو اس اس كولrdquo; إلى البحر الأبيض المتوسطrdquo;، وذكرت هذه الأوساط بالدور الذي كانت تلعبه مدمرة ldquo;نيوجرسيrdquo; في بداية الثمانينات ضد ldquo;القوى الوطنية في لبنانrdquo;، ما يعني ان واشنطن تريد ldquo;استخدام لبنان كمخلب قط في مشروعها في الشرق الاوسطrdquo;.