سعد محيو

فلنتخَيل معاً المشهد التالي:

ldquo;إسرائيلrdquo; تغزو سوريا وتقلب نظام الحكم فيها. لكن السلطة الجديدة في دمشق، وبرغم تبعيتها لتل أبيب، لها روابط سياسية وثقافية وإيديولوجية مع إيران. ولذلك، تقرر هذه الأخيرة القفز على معطى الاحتلال لتقيم علاقة مباشرة معها.

أمر يشبه الخيال يجري على أرض الواقع في العراق. طهران تعارض وتقاوم بشدة الاحتلال الامريكي لبلاد الرافدين وتعتبره خطراً مميتاً عليها. لكنها، مع ذلك، تعترف بالسلطة العراقية الجديدة التي انبثقت من الاحتلال والتي تستعد لمنحه قواعد عسكرية دائمة على أراضها.

ldquo;العراقيون لا يحبون أمريكاrdquo;، قال الرئيس أحمدي نجاد في بغداد. لكنه نسي ان ينتبه إلى أن من يقف إلى جانبه (رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء والنواب والسياسيون العراقيون) لا يحبون أمريكا فحسب بل يدينون لها بجميل وصولهم إلى السلطة، ناهيك ببقائهم فيها.

لغز محَير؟

طبعاً. بيد أن هناك لغزاً آخر أكثر إثارة للحيرة: واشنطن، التي تتحَكم بكل مفاصل الامن في بغداد، تتهم الرئيس نجاد بتسليح وتدريب وتمويل العناصر التي تقتل الجنود الأمريكيين. ومع ذلك، تسمح له بأن يصول في العاصمة العراقية تحت سمع وبصر استخباراتها وقواتها من دون أن يمَسه خدش. كما تسمح له بأن ينثر مليار دولار كمساعدات للنظام الموالي لها، وأن يبرم الاتفاقات الاقتصادية التي تعزز نفوذه لديه (النظام).

هذه تطورات لا سابق لها في تاريخ العلاقات الدولية. وهي لا تثير الحيرة فقط، بل الشكوك أيضاً. البعض يميل إلى تفسير هذه الظاهرة بأنها ناجمة عن الذكاء او الدهاء الإيراني: العمل على قتل الراعي الامريكي، مع إقامة صلات مع قطيع غنمه لتسهيل السيطرة عليه لاحقاً. لكن هذا التحليل يعني أن الأمريكيين أغبياء بقدر ما الإيرانيين أذكياء. وهذه بالطبع فكرة مضحكة، إلا إذا اعتقدنا بأن امريكا سيطرت على كل العالم عن طريق سلسلة من الصدف السعيدة والعشوائية.

نجاد في بغداد لأن واشنطن وافقت على وجوده فيها، إما لمنح النظام العراقي التابع لها شرعية سياسية يفتقد لها في المنطقة، أو لشكره على سياسة التهدئة التي اتبعها خلال الحملات العسكرية الامريكية الأخيرة، أو لتمهيد الطريق أمام صفقات جديدة معه كما حدث قبل ذلك في ldquo;إيران كونتراrdquo; وافغانستان وعراق 2003.

ونجاد في بغداد لأن طهران وافقت، ولا تزال على ما يبدو، على الغزو الأمريكي وتوابعه في العراق. فما تريده فعلاً ليس انتهاء هذا الاحتلال، بل تقاسم الغنيمة معه.

***

هل ثمة تفسيرات مقنعة أخرى؟ لا بل هل ثمة حاجة بعد لنتخَيل كي نحاول حل ألغاز السياسات الإيرانية في العراق؟

حتماً لا. فالواقع نفسه أغرب من الخيال.