عفيف رزق
يفتخر الرئيس القبرصي الجديد ديميتريس خريستوفياس بأنه أول رئيس شيوعي في الاتحاد الأوروبي وصل إلى السلطة بعد انتخابات رئاسية جرت في أجواء ديموقراطية ومنافسة حادة على برامج واضحة الأهداف. إنما لن ينصف التاريخ هذا الرئيس الا اذا حقق ما وعد به مواطنيه اولاً والاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي ثانياً، من إعادة توحيد الجزيرة القبرصية المنقسمة منذ ما يقارب الثلث قرن تقريباً، وإقامة مجتمع متعدد الثقافات، عكس ما حصل في صربيا وكوسوفو، ليس قادراً على الحياة فقط، بل العيش بانسجام تام أيضاً.
يعود تاريخ انقسام الجزيرة القبرصية إلى شطرين للعام 1974، يفصل بينهما خط أخضر يمر وسط العاصمة نيقوسيا وعليه قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام الموجودة في الجزيرة منذ اضطرابات 1963 ـ 1964. شطر شمالي حيث يعيش القبارصة الأتراك وآخر جنوبي حيث يعيش القبارصة اليونان. في تلك الفترة أرسلت تركيا نحو 40 ألف جندي من قواتها لحماية القبارصة الأتراك في الشمال رداً على انقلاب عسكري قبرصي يوناني متشدد أطاح برئيس الجمهورية القبرصية المطران مكاريوس، وأعلنت الجمهورية القبرصية التركية التي لم تعترف بها الا تركيا، اما الجمهورية القبرصية في الجنوب فقد انضمت إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004.
لقد جرت محاولات عديدة لإعادة توحيد الجزيرة، لكنها فشلت جميعها، ومنذ آخر مبادرة للأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي أنان عام 2004 حيث تضمنت قيام اتحاد فيديرالي مركب quot;لدولتين موجودتينquot;، أيدها القبارصة الأتراك بنسبة 65% ورفضها القبارصة اليونان بنسبة 75%.
خاض الرئيس الجديد خريستوفياس معركته الانتخابية تحت عنوان: إعادة توحيد الجزيرة. وفور اعلان فوزه في الدورة الثانية التي جرت في 24 شباط الماضي قال على أثر تلقيه التهنئة من الزعيم القبرصي التركي محمد علي طلعت الذي قالت عنه الصحيفة القبرصية اليونانية quot;بوليتيسquot; انه شيوعي أيضاً ومن نفس منطقة الرئيس الجديد، انه يمد quot;يد الصداقة والتعاون إلى القبارصة الأتراك وقادتهم، وأدعوهم إلى العمل معنا لما فيه المصلحة المشتركة للشعب في مناخ من السلام...quot;، ورد عليه طلعت قائلاً: quot;يجب ضرب الحديد وهو حامquot;.
تقوم خطة الرئيس خريستوفياس لإعادة توحيد قبرص كما عرضها في أول حديث صحافي له، على ايجاد حل عملي وعادل وشفاف، وخلق مناخ من الثقة بين الطائفتين القبرصية التركية واليونانية، وذلك عبر quot;نقاش عميق لجميع المواضيع الرئيسية المشتركةquot; لوضع حد للاحتلال التركي للقسم الشمالي وquot;لاستعادة وحدة الأرض والشعب والمؤسسات والاقتصاد في اطار اتحاد فيديرالي لمنطقتين ولطائفتين، ضامن لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للشعب بكامله...quot;.
ان القراءة المتأنية لهذه الخطة تظهر ان تنفيذها دونه عقبات كثيرة وعلى مختلف الصعد الداخلية والاقليمية.
فداخلياً، على الرئيس الجديد إقناع القبارصة اليونان بأن تنفيذ الخطة يصب في المصلحة الوطنية العليا للجزيرة بكاملها لإخراج الوضع العام من المأزق الذي سببه الانقسام الحاصل بين شطريها، وإلا فإن التقسيم سيصبح مكرساً بشكل نهائي، تجدر الإشارة إلى ان مضمون خطة خريستوفياس يتطابق مع ما جاء في خطة كوفي أنان التي رفضت، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، التحالفات التي عقدها الرئيس المرشح في الدورة الثانية مع بعض الأحزاب المتشددة في موضوع التفاوض مع الطرف الآخر بشأن إعادة التوحيد، وقد حذر بعضها من أي تنازل يمس بالمصلحة الوطنية العليا، ومن هذه الأحزاب حزب quot;ديكوquot; يمين الوسط، بزعامة الرئيس المنتهية ولايته وحزب الاشتراكيين الديموقراطيين quot;ايديكquot;، ويتخوف المراقبون من ان يصبح الرئيس الجديد رهينة هذه التحالفات فتتعرقل مهمته. ثم يأتي دور الكنيسة الأرثوذكسية المؤثرة جداً في قبرص والتي كانت حذرت من ان quot;انتخاب شيوعي رئيساً سيكون كارثةquot;، كما جاء على لسان أسقف نيقوسيا قبل يومين من إجراء الدورة الثانية. لقد تجاوز خريستوفياس هذه العقبة في الانتخابات فهل بمقدوره تجاوزها في الموقف الجديد؟.
أما على الصعيد التركي، فإن شكوكاً كثيرة تحيط بموقف أنقرة من إعادة توحيد الجزيرة. صحيح ان القضية القبرصية تقف عقبة كأداء في طريق تركيا نحو الاتحاد الأوروبي، وحلها يسهل عملية الانضمام لهذا الاتحاد، لكن الصحيح أيضاً هو ان الحكومة التركية الحالية لا تضع هذه القضية على رأس أولوياتها، ففي أيلول الماضي قام الرئيس التركي عبدالله غول بزيارة إلى الشطر الشمالي لقبرص وألقى خطاباً اعتبر فيه ان إعادة توحيد الجزيرة القبرصية يتطلب تنازلاً من الجانب التركي وسيرغم تركيا على الانسحاب من مواقعها الحالية وهذا لا يؤيده الرأي العام التركي. اما عن دور الرئيس القبرصي التركي محمد علي طلعت المؤيد بحرارة لانتخاب خريستوفياس رئيساً للجمهورية القبرصية، فإن كثيراً من المحللين يرون ان طلعت لا يستطيع الخروج عما تسمح به أنقرة، فموازنة قبرص التركية مصدرها الخزينة التركية، وهناك حوالي الأربعين ألف جندي ينتشرون في هذا الشطر ويأتمرون بما تمليه عليهم القيادة في أنقرة، يضاف إلى ذلك عنصر هام يتمثل في التغيير الديموغرافي الذي حصل في هذا الشطر من قبرص، فالمهاجرون من أصل اناضولي يشكلون اليوم أغلبية سكان شمال الجزيرة وهؤلاء لا تعنيهم كثيراً إعادة توحيد الجزيرة.
- آخر تحديث :
التعليقات