محمد حسين اليوسفي

باتت كل قضايانا تسيس إلى حدودها القصوى، لم نعد نلتزم بمعايير المجتمعات المتحضرة التي تعرف كيف تتعامل مع خلافاتها وتباينات الرأي فيها والمصالح المتنوعة لمواطنيها، بات الارتزاق السياسي ديدن القوى المتسيدة على ساحتنا، وهي القوى والتنظيمات الدينية التي من أخص خصائصها الطائفية. فهذه الأحزاب الدينية سواء كانت شيعية أم سنية، ليس لديها أي مشروع وطني يوحد بين أفراد المجتمع الكويتي، ويصهرهم في بوتقة واحدة، بل إن ما تحمله هذه الجماعات والأحزاب هو فكر تفتيتي من شأنه أن يشرذم الأمة ويفتت أوصالها.

وأزمة ldquo;مغنيةrdquo; لم تكن لتأخذ هذا البعد وهذا الاتساع من الاستقطاب، لولا الارتزاق السياسي الذي يمارسه الطرفان الدينيان عبر التهييج الطائفي المتبادل لكل جماعة. فالمنظمون للتأبين كانوا يعرفون حساسية الموضوع، بيد أنهم لم يضعوا إلا مصالحهم الانتخابية نصب أعينهم، وهاهم جنوا ما كسبت أيديهم، وظهروا بمظهر الأبطال المدافعين عن طائفتهم. والمناوئون أيضاً عرفوا كيف يستخدمون واقعة التأبين ليجنوا من ورائها سياسياً بإثارة منظمة هدفت إلى التكسب السياسي والظهور بمظهر المدافع عن الكويت وشعبها.

بالطبع، هذه القوى تعرف حق المعرفة دور القضاء في المجتمعات الحديثة، وتعلم علم اليقين أن القضاء هو المخول بإعطاء الكلمة الفصل في أي اتهام يطال كائناً من كان، مواطناً.. أم غير مواطن، من علية القوم أم من عامتهم. ومثيرو الفتنة يعرفون حق المعرفة أن الانتماء إلى أي حزب من أهدافه تقويض النظام العام، محظور في أي دولة، بغض النظر عن عقيدة هذا الحزب سواء كان الألوية الحمر أم جماعة بادرماينهوف أم تنظيم القاعدة أم حزب الله أم غيرها من التنظيمات التي لا تؤمن بعملية التغيير من خلال القنوات الشرعية. وهؤلاء جميعاً يعلمون أن من يتورط في انتمائه لمثل هذه التنظيمات، فسيتحمل تبعات قراره إذا ثبت عليه ذلك بالبينة والدليل القاطع. وهذه العملية هي من اختصاص القضاء وليس من اختصاص حناجر المهيجين الذين يريدون ولا شك التصيد في الماء العكر.

إن مجتمعنا الصغير لا يتحمل مثل هؤلاء السياسيين الذين يسعون إلى الجاه بأي ثمن دونما أدنى مراعاة للظروف التي تمر بها المنطقة، حيث الاستقطاب الطائفي على أشده. وإذا كنا حريصين على المصلحة الوطنية، فلنترك للقضاء هنا أن يقول كلمته ولا داعي للصراخ والتهويل، سواء تجسد بالمظاهرات المطالبة بإطلاق سراح فلان أم علتان.. أو بالتشكيك بولاء طائفة بأكملها من خلال اتهام البعض من أفرادها، فولاء الكويتيين جميعاً، سواء كانوا سنة أم شيعة، هو بالتأكيد للكويت.. على الأقل هذا ما أكدته لنا أحلك الأيام.