ديفيد إدواردز - ميديا لنس

لم يكن الوضع على ما يُرام في غرفة أخبار صحيفة ldquo;الأبزرفرrdquo; البريطانية في خريف سنة 2002. فقد كان مراسلها، ايد فوليامي يتحدث مع ميل جودمان، وهو محلل سابق رفيع المستوى في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. وعلى الرغم من تركه الوكالة، ظل جودمان يحتفظ برخصة الاطلاع على المعلومات الشديدة الحساسية، وبقي على اتصال مع زملائه السابقين الكبار. وقد قال لفوليامي، ان وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، خلافاً لكل ادعاءات جورج بوش وتوني بلير، كانت تذكر في تقاريرها ان صدام حسين لم يكن يملك أسلحة دمار شامل. وبالإضافة الى ذلك، كان جودمان مستعدّاً للظهور علناً كمصدر معلوم بالاسم. وكانت تصريحاته تشكل سبقاً صحافياً مذهلاً بالنسبة الى الصحيفة. ولكن فوليامي، قدّم لإدارة صحيفته على مدى الشهور الأربعة التالية، سبع صيغ من هذه القصة الحاسمة الأهمية لنشرها، إلاّ أن إدارة تحرير الصحيفة رفضت نشر أي منها.

ورفضت ldquo;الابزرفرrdquo; نشر قصص مشابهة حين كان نفر قليل من الصحافيين معنيّاً بتحدي ادعاءات الحكومة بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية. وقد قال رئيس تحرير ldquo;الابزرفرrdquo; يومئذ، روجر آلتون، لهيئة تحرير الصحيفة: ldquo;ينبغي علينا ان نقف جنباً الى جنب مع الأمريكيينrdquo;. وفي سبتمبر/ أيلول ،2006 ذكرت صحيفة ldquo;ذي إيفْننْج ستاندارْدrdquo;، ان آلتون ذهب لقضاء إجازة في منطقة الألب. وكان من بين مرافقيه، جوناثان باول، معاون توني بلير، الذي يحظى بأشد درجات ثقته، ودينيس ماكشين، عضو البرلمان البريطاني العمالي، الذي يكنّ تأييداً لبلير لا يتزعزع. وفي دعم لموقف آلتون، ردد ديفيد روس، من صحيفة ldquo;الابزرفرrdquo;، دعاية الحكومة بشأن علاقات العراق المزعومة مع حركة القاعدة في صنيع انتهى باعتذار مهين قدّمه روس سنة 2004. وقد وصف فيه كيف ان ثقته بالمصادر الحكومية قد ldquo;وُضعت في غير محلها، وانها كانت ساذجة.. إني أعيد النظر فيما فعلته بخجل واستنكارrdquo;.

ولكن أناساً آخرين دفعوا الثمن. فبعد أحد عشر يوماً من رفض نشر قصة فوليامي للمرة السابعة في مارس/ آذار ،2003 تساقطت القنابل الأولى على بغداد.

وللأسف، فإن دور ldquo;الابزرفرrdquo; كأداة دعائية للأقوياء لم ينته باستقالة آلتون في اكتوبر/ تشرين الأول 2007. ففي وقت سابق من شهر فبراير/ شباط ،2008 أفرد المراسل الصحافي جون كارلين صفحتين للادعاءات التي تقول ان حكومة هوجو شافيز الفنزويلية متواطئة في تجارة المخدرات الكولومبية.

وقد ظهرت مقالة كارلين في الوقت الذي كانت فيه الحكومة الفنزويلية تتلقى إطراء نادراً من الإعلام الغربي والحكومات الغربية المعادية لها في العادة، على دورها في المساعدة على تحرير رهائن في كولومبيا. وكان شافيز قد لعب دوراً شخصياً رئيسياً في ترتيب الإفراج عن المحتجزين لدى القوات المسلحة الثورية في كولومبيا، وهي قوة عصابات تخوض نزاعاً أهلياً مع الحكومة الكولومبية منذ عقود خلت. وكان عنوان مقالة كارلين في الابزرفر، وهو ldquo;كشف دور شافيز في سيل الكوكايين المتدفق على أوروباrdquo;، يعيد الى الأذهان أصداء الدعاية المكثفة التي سبقت حرب العراق.

ويتناقض هذا العنوان مع افتقار كارلين الى دليل قاطع، ومع كلماته ذاتها التي يقول فيها: ldquo;لم يتهم أي من المصادر التي تحدثتُ اليها شافيز بعينه، بلعب دور مباشر في تجارة تهريب المخدرات الكولومبية العملاقةrdquo;.

ولكن كارلين، ادعى، من قبيل الالتزام بسياسة معينة، ان السلطات الفنزويلية، حليفة ملتزمة ومؤيدة لرجال عصابات القوات المسلحة الثورية في كولومبيا. وكتب معلقاً:

ldquo;تكشف الشهادات المختلفة التي استمعتُ اليها ان التعاون بين فنزويلا ورجال العصابات في نقل الكوكايين برّاً، وجوّاً وبحراً، واسع ومنتظم. كما ان فنزويلا تزود لرجال العصابات بالأسلحة، وتوفرلهم حماية قواتهم المسلحة في الميدان، والحصانة القانونية الفعلية أثناء قيامهم بعملهم غير الشرعي الضخمrdquo;.

ولم يُطرَحْ أي دليل حقيقي يمكن التأكد من صحته، لتدعيم هذه الادعاءات الخطيرة. بل على العكس من ذلك، علّق رئيس هيئة الأركان المشتركة في البنتاغون، الأميرال مايك مولين، قائلاً، انه ldquo;لا علم له بأي دعم محدد يقدمه السيد شافيز للقوات المسلحة الثورية في كولومبياrdquo;. وأضاف كارلين: ldquo;ان ما لا يختلف عليه اثنان، هو ان شافيز حليف سياسي للقوات المسلحة الثورية في كولومبيا حيث دعا في الشهر الماضي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الى وقف وصم أعضائها بال ldquo;إرهابيينrdquo;rdquo;.

ولكن هذه الرواية للأحداث، مثيرة للجدل حقاً. فقد كان شافيز في واقع الأمر، يدعو الى التوصل الى تسوية سلمية لحرب كولومبيا الأهلية. وهو مثل العديد من المراقبين، يرفض الفكرة التي تقول انه يمكن ايجاد حل عسكري للنزاع الذي استمر أكثر من 40 سنة. وتُعتبر دعوة شافيز الى الاعتراف بالقوات المسلحة الثورية في كولومبيا، كقوة محاربة بموجب القانون الدولي، خطوة منطقية أولى نحو السلام.

وفي 3 سبتمبر/ أيلول ،2006 قال وزير الخارجية البريطاني، كيم هويلز، ان نهج فنزويلا برهن على ldquo;تعاون رائعrdquo; في مكافحة الاتجار الدولي بالمخدرات. وفي 25 يوليو/ تموز،2006 ذكر الوزير جيف هون، أن ldquo;نا ..نعمل بتعاون وثيق مع الحكومة الفنزويلية، على العديد من

القضايا، وبخاصة في ميدانيْ الطاقة ومكافحة المخدراتrdquo;.

ومع ذلك، تجاهلت صحيفة ldquo;الابزرفرrdquo; كل ما ورد أعلاه، وأوردت الاقتباس التالي، الذي يدين فنزويلا، منسوباً الى ldquo;ضابط شرطة كبيرrdquo;: ldquo;الحقيقة هي ان فنزويلا لو بذلت الحدّ الأدنى من الجهد للتعاون مع المجتمع الدولي، لأحدثت فرقاً هائلاً.. ولكنها لا تفعل لأن المكان ممعن في الفساد، بالإضافة الى سبب جوهري آخر، هو الموقف ldquo;المناوئ للامبرياليةrdquo; الذي تقفه. وهي تفكر على هذا النحو: إذا كان ذلك يوقع بالامبرياليين، فكيف يُتوقع أن نساعدهم؟rdquo;.

ويحذر الصحافي توني سولو على موقع مركز المعلومات الفنزويلي المستقل، من ان مقالة الابزرفر ldquo;تشير الى ان المرء يستطيع ان يتوقع تصعيداً للحرب الدعائية ضد فنزويلا على مدى السنة القادمة أو نحوها.. وتشكل مقالة كارلين دليلاً على أن استفزازاً عسكريّاً قد لا يكون بعيداً جداًrdquo;.

ولكن تشكك منافذ إعلامية أخرى، بنوايا ldquo;الأبزرفرrdquo;، قد يكون آخذاً في التصاعد، بدليل ان أيّاً من الصحف البريطانية لم تشر الى ادعاءات كارلين.