نصر طه مصطفى
بعد أقل من عامين على انتخاب مجلس الأمة الكويتي في عام 2006م أصدر أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الأسبوع الماضي مرسوما أميريا بحله والدعوة لانتخابات نيابية جديدة في منتصف شهر مايو/ أيار القادم ليس من الواضح إن كانت ستأتي بجديد على صعيد التشكيلات المثيرة دوما للجدل في تركيبة مجالس الأمة الكويتية خلال العقدين الأخيرين حتى تحولت في الآونة الأخيرة إلى مجالس أزمات مستمرة لا تنتهي مع الحكومات المتعاقبة، وكان من المتوقع أن تمضي العلاقة بين المجلس الذي تم حله والحكومة بصورة أفضل بسبب التغيير الذي جرى في قمة السلطة بتولي الشيخ صباح مهام القيادة وإنجاز عملية الفصل بين ولاية العهد ورئاسة الحكومة ومؤشرات الاستقرار السياسي الواضحة، إلا أن العامين السابقين شهدا أزمات متلاحقة بين البرلمان والحكومة التي تشكلت مرتين وتعدلت مرات عدة نتيجة الضغوط السياسية المستمرة التي مارستها الأغلبية المعارضة من أعضاء مجلس الأمة ضد الحكومة ووزرائها حتى انتهى الأمر إلى قرار الحل بغرض انفراج الأزمة، وبأمل أن يكون المجلس القادم أكثر اعتدالاً وانضباطاً.
يعتقد كثير من المراقبين أن الانتخابات القادمة لن تقدم الكثير من الوجوه الجديدة كما أنها قد لا تشهد تغييرا يذكر في التركيبة التي قام عليها المجلسان السابقان اللذان تم حلهما، وعلى سبيل المثال فقد توقع كثيرون أن تحظى المرأة بنصيب معقول في المجلس السابق الذي جرى انتخابه في عام 2006م بعد صدور تشريع يسمح للمرأة الكويتية بالتصويت والترشح لكن المفاجأة أن الحظ لم يحالف أياً من المرشحات، حيث كانت الآمال معقودة على أن دخول العديد منهن إلى المجلس سيخفف من حدة المعارضة السياسية، وسيقلل من وجود العناصر الإسلامية بمختلف اتجاهاتها الإخوانية والسلفية إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث، وهي الآمال نفسها التي ستتجدد الآن عند التحضير للانتخابات التي ستجري بعد شهرين من الآن، إذ تأمل الحكومة الكويتية أن يتجه شعبها لاختيار أعضاء أقل حدة في توجهاتهم السياسية بعد أن تلمس المواطنون بأنفسهم خلال الأعوام الأخيرة حجم الانعكاسات السلبية لخلافات المجلس والحكومات على اقتصاد وأوضاع البلاد عموما، وبالذات بعد المتغيرات الحاصلة في المنطقة نتيجة الاحتلال الأمريكي للعراق وما نجم عنه من تحريك للعصبيات المذهبية والعرقية في المنطقة تركت آثارا سلبية على المنطقة بأكملها.
ففي الآونة الأخيرة أخذت صيحات السخط تتزايد داخل المجتمع الكويتي بسبب الآثار السلبية لهذه الخلافات على الاقتصاد الكويتي وعلى فرص الاستثمار، إلى درجة البدء في الحديث علنا عن مشاكل هروب رؤوس الأموال والمستثمرين من الكويت نتيجة عدم وجود استقرار سياسي وتعطيل لكل عمليات الاستثمار، بسبب استمرار الخلاف بين النواب والوزراء على كل صغيرة وكبيرة ومن ثم تعطيل التشريع وتعطيل مصالح المستثمرين وتعقيد عملية الاستثمار لرؤوس أموال داخلية وخارجية، وهي أضرار انعكست مباشرة على الوضع الاقتصادي، ولولا فوائض عائدات النفط بسبب الارتفاع الدولي المستمر في أسعاره لربما تأثر الاقتصاد الكويتي سلبا بشكل مباشر نتيجة كثير من الأعباء التي يتحملها منذ حرب تحرير الكويت وحتى الآن. ولذلك من المتوقع أن يحدث تغيير بنسبة ما في مزاج الناخب الكويتي يدفعه لاختيار برلمان يسهم في تكريس الاستقرار السياسي وتحسين الأوضاع الاقتصادية لتتمكن الكويت من تطوير نشاطاتها الاقتصادية بغرض تنويع مصادر دخلها عبر الاستثمارات وجذب المستثمرين كما يحدث عند جاراتها الخليجيات في أبوظبي ودبي والدوحة والمنامة اللواتي بدأن في التفكير الجاد بمرحلة ما بعد النفط منذ الآن، وهو تفكير صحيح واستراتيجي بلاشك ومن الطبيعي أن يسعى الكويتيون للسير في نفس التوجه.
يرى كثير من المحللين أن تجربة الكويت المتقدمة والعريقة في العمل الديمقراطي ينقصها تقنين النشاط السياسي الحزبي باعتباره نشاطا قائما بالفعل لكنه غير معلن، ويفترض هؤلاء المحللون أن تقنين هذا النشاط وترسيمه وإخراج الأحزاب والتيارات السياسية للعلن سيقلل من حظوظ المعارضين بالفوز خاصة إذا ما دعمت الحكومة تيارا قريبا منها خارج أطر التيارات السياسية التقليدية كالإسلاميين بمختلف تفرعاتهم واليساريين بمختلف اتجاهاتهم، فهذا تقريبا ما هو حاصل في كثير من الدول العربية ذات الديمقراطيات الناشئة. كما أن تياراً وسطياً مدعوماً من الحكومة سيكون أكثر قدرة من غيره على الوصول بالمرأة إلى الجلوس تحت قبة البرلمان والمشاركة الفاعلة في الحياة السياسية مثلما فعلت - أي الحكومة - بتعيين المرأة كوزيرة باعتبار الحكومة أكثر قدرة على امتلاك ناصية القرار وتنفيذه في نفس الوقت، إلا أنه لا يوجد كما يبدو أي توجهات لدى الحكومة الكويتية أو لدى أمير الكويت المعروف بأنه سياسي خبير مخضرم ومحنك لتقنين الحياة الحزبية في الكويت أو لدعم تيار ليبرالي وسطي يكون دعما لاتجاهات الحكم في الفترة القادمة، وإذا ما سارت الأمور على نحو ما حدث عام 2006م و2003م فإن مجلس الأمة القادم سيعود أكثر شراسة من سابقيه، ومن ثم فقد يعني ذلك دخول التجربة الديمقراطية الكويتية المتميزة على الصعيد العربي في نفق مسدود. فالمستقبل لم يعد يحتمل استمرار هذا النمط من الصراع السياسي الذي يسير بلا هدف ولا رؤية ولا غرض محدد لدى المعارضة الكويتية!
لا يملك أحد إمكانية التشكيك في نباهة الناخب الكويتي الذي يمارس الديمقراطية منذ حوالي نصف قرن وفي قدرته على تحديد خياراته المناسبة، وهو انتخب برلمانات مشاغبة في أعوام ،1999 2003 و2006. ورأى نتيجة اختياره وقد يعتبر أن وجود برلمان معارض قوي هو في مصلحة الكويت، إلا أن الأكيد أن الديمقراطية تحتاج دوما لمعارضة قوية وليس برلمان بأغلبية معارضة.
التعليقات