مع الإجماع على أنه نقلة نوعية في التعامل مع المرأة على الصعيد الاجتماعي
الجبيل - سعيد الشهراني
ما زال قرار السماح بسكن المرأة في الفنادق السعودية بلا محرم يُثير أصداء في الوسط السعودي، فمع اتفاق الجميع على أن هذا القرار نقلة نوعية في التعامل مع المرأة على الصعيدين الرسمي والاجتماعي. هناك جدل حول الآليات وتفصيلات تنفيذ القرار .
يأتي ذلك في الوقت الذي شهدت فيه الرياض منذ أسابيع افتتاح فندق quot;لوذانquot; وهو أول فندق نسائي، أنشئ وصمم للمرأة فقط، ليتجدد النقاش حول مدى حاجة المرأة إلى فنادق نسائية خاصة.
بداية أكد رئيس محكمة الجبيل الشيخ الدكتور رياض المهيدب أهمية تنظيم القرار وفق ضوابط شرعية، مبنية على تقديم مصالح الأمة على المفاسد ودرئها، واعتماد مصلحة المجتمع قبل مصالح الأفراد والمستثمرين في القطاع السياحي والفندقي. ومن الحلول المناسبة والمتفقة مع الشريعة التي يراها المهيدب تخصيص أجنحة لسكنى النساء، مما يمنح النساء مزيدا من الحرية والخصوصية في تلبية الطلبات، وحرية التنقل بين النزيلات، ويحقق حسب قوله تعزيز مبدأ التعاون على البر والتقوى بين النساء أنفسهن.
وأضاف quot;يجب على الجهات ذات العلاقة بتنظيم هذا الأمر مراعاة الأضرار المترتبة على جميع الأطراف من حيث التواصل الاجتماعي مع النزيلات، والموظفات اللاتي يعملن ربما لساعات متأخرة من الليل، وكذلك الفنادق من حيث تكاليف التشغيل في حال رأى المجتمع تخصيص هذه الأدوار أو الأجنحة التي تتولى العمل بها عمالة نسائية، دون إغفال الأضرار المترتبة على الاقتصادquot; مشيرا إلى أهمية إخضاع القرار للتجربة وتطبيق عدد من الأنظمة المرنة التي تحقق مصالح المجتمع أولا والمستثمرين ثانيا.
قرار إيجابي
ويرى عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض الدكتور عبدالعزيز الغريب أن القرار إيجابي وتعزيز لاستقلالية ومكانة المرأة؛ ومن النواحي الإيجابية في هذا القرار زيادة ثقة المرأة بنفسها، ومساعدتها على الاعتماد على النفس، ولكنه يرى ضرورة وضع ضوابط تضمن خصوصية وحماية المرأة في السكن داخل الفنادق.
وأضاف الدكتور الغريب quot;ربما يكون لهذا القرار سلبيات في حال استغلت المرأة هذا القرار في ابتعادها واستقلالها عن ولي أمرها كالأب أو الزوج بالسكن في الفنادق دون استئذان أو علم ولي الأمر، نتيجة خلاف أو مشكلة صغيرة ، تخرج من بيتها وتتجه إلى الفندق، ومن السلبيات أيضا زيادة هروب الفتيات التي بدأت تكثر في الآونة الأخيرة ربما تؤدي إلى استغلال هذا القرار سلبيا. كما أنه عندما تسكن المرأة في مكان غير مستقل وبجانبها شاب. ربما تحدث أمور لا تحمد عقباها، ويكون ذلك فرصة لضعاف النفوس سواء من الشباب أو البنات بالسكن في الفندق باسم المرأة وبغرفتين بجوار بعضهماquot;.
ويرى الدكتور الغريب أن كل تنظيم جديد سيكون له تأثيره باعتباره تغييرا لبعض أوضاع الناس وممارساتهم، ولكن بعد استيعاب التنظيم الجديد قد تنخفض الآثار السلبية.
أجنحة خاصة
أما رئيس مركز التنمية الأسرية بالجبيل الدكتور غازي بن عبدالعزيز الشمري فيقول quot;هذا أمر أقر بناء على معطيات أثبتت ضرورة العمل به، وفق الضوابط الشرعية. بعد أن أصبح سكن المرأة يمس حياتنا وقيمنا في التعامل اليومي، ونطالب بتنظيمه، فإما أن يكون من خلال فنادق خاصة للنساء، كما هو الحال في العاصمة الرياض؛ أو من خلال أجنحة أو دور خاصة لسكنى النساء، تتولى خدمتهن فيها عاملات من جنسهن عبر غرفة اتصال بالدور أو الجناحquot;.
وأضاف أن النساء في بلادنا المضطرات للسكن بالفنادق قليلات جدا، وبالتالي فعملية تنظيم سكنهن أمر ميسور للغاية، ويجب عدم قبول عذر أي مسؤول عن هذا الأمر بأن التخصيص فيه صعوبة، وذلك لسبب رئيس، وهو قلة النساء المضطرات للسكنى بلا محرم بالنظر لكثرة الفنادق القائمةquot;.
ويضيف الدكتور الشمري أن احتواء آلية سكن المرأة على أنظمة موسعة أو مطاطة من شأنه خلق مشاكل للأسرة السعودية، وربما معضلات للمجتمع أخلاقية بالدرجة الأولى؛ نظرا لما تمر به حياتنا اليومية من متغيرات سريعة ذات آثار سلوكية واضحة، مشيرا إلى أن ضبط سكن المرأة في الفنادق بلا محرم بآلية حازمة أمر محمود على المدى البعيد باعتبار التحسب للمتغيرات.
ويطالب الدكتور الشمري بسن مواد تخدم أهداف القرار ، مع إيقاف تنفيذها في حال ثبت تجاوزها أو تسببت في الإخلال بقيم المجتمع، وكذلك سن مواد تراعي خطوط الرجعة في حال أظهرت الآلية المطبقة خلاف ما يخدم المجتمع، مؤكدا أن الأسرة أهم لبنات المجتمع، ويجب مراعاتها في هذا القرار.
تغيير اجتماعي
ولعضوة هيئة التدريس بجامعة البنات في الرياض عضوة جمعية حقوق الإنسان الدكتورة نورة بنت عبدالله العجلان رأي، حيث تقولquot;نحن مجتمع يمر بمرحلة تغير اجتماعي، تطرأ عليه تغيرات لم نستوعب بعد آلية التعامل معها، فطفت على السطح مشاكل مثل هروب المراهقين، والاكتئاب والأمراض النفسية، وهذا القرار ليس حلا لهذه المشاكل. بل هو عزل عن الحل.
وأضافت أن هذا القرار صدر لإيجاد حل لمشكلة قائمة، وهو برأيها يحتاج إلى دراسة مستفيضة لجوانب عدة أهمها، مراعاة الطبيعة الجغرافية للمملكة بما فيها من قيم وعادات اجتماعية متنوعة، وكذلك تفهم طبيعة المشاكل الأخلاقية ومسؤولية الدولة تجاه الرعايا، خصوصا إذا تبع ذلك قرار بتوفير خدمة نسائية لها في الفنادق.
تقول الدكتورة العجلان quot;إننا دولة تستمد أنظمتها وتشريعاتها من الشريعة الإسلامية، وحكم مبيت المرأة بدون محرم في السفر معروف وله ضوابطه الشرعية، لذلك أطالب بعرض التنظيمات البديلة قبل القرار، ومدى ملاءمتها لطبيعة وخصائص الفئة المستفيدة من القرار وتطويرها، كما يجب أن تراعي آلية القرار طبيعة ونوعية القادمين إلى المملكة وأعدادهم وفقا لقيم المجتمع ودستور الدولة أولاquot;.
وتضيف الدكتورة العجلان أن القرار إذا كان حلاً لمشكلة الهروب ووجود مأوى للهاربين، فهو ليس حلا. بل هو تخل عن مسؤولية حل المشكلة، مما يستدعي الاستعانة بتجارب دور الإيواء، حيث أثبتت الحالات المسجلة أن الهاربين أو الهاربات إلى دور الإيواء لا يحتاجون مأوى فقط، بل يحتاجون إلى دخل ورعاية واحتواء وحل مشكلة الهروب وإصلاح ذات البين الأمر الذي يستوجب الاستفادة من تجارب الآخرين في هذا المجال بما يتفق وقيمنا، ويحقق تعايشنا مع العالم بصورة عصرية.
المحرم داعم نفسي
أما مديرة مركز السموم بالمنطقة الشرقية الدكتورة مها بنت خالد المزروع فترى أن وضع آلية لسكن المرأة في الفنادق بلا محرم أمر لا بأس به، فالتنظيم أساس نجاح الفكرة، وتقولquot; لا أفترض ظهور سلبيات في غياب هذا التنظيم؛ لأنه أمر غير صحيح، إلا أنني أؤكد أن هناك إيجابيات أهمها الإسراع في تقبل المجتمع له، وزيادة شريحة المستفيدين من النساء له، وتضيفquot; أنا ممن يرون ضرورة تواجد المحرم في السفر والسكن الخارجيquot;.
وترى المزروع أن قيمة تواجد المحرم ليست في الحضور بالدرجة الأولى. بل بأبعادها المعنوية والنفسية والعاطفية، فالمحرم يكسب المرأة الثقة. الأمر الذي راعته الدولة، وجعلت وجوده شرطا في الابتعاث والسفر لرعاية محارمه. في بادرة غير مسبوقة في العالم بأسره، وكل ذلك من أجل المرأة وتطورها.
مصلحة المجتمع
ويقول دعيكان المري أحد منسوبي كلية الملك فهد البحرية ولي أمر طالبة بكلية التربية للبنات بالجبيل quot;نرجو ألا يكون هذا القرار من مسببات الانفتاح غير المنضبط المؤدي إلى السفور، أو فتح المجال لسلوكيات سيئة أخلاقيا، فأنا وأسرتي لسنا معه بأي حال من الأحوال، بل إننا ضده؛ لما نؤمن به من أهمية تواجد المحرم مع أهله في أي مكانquot;.
أما مدير عام الخطوط السعودية بالجبيل رفعت البواردي فيقول quot; هذا القرار لم يظهر إلا نتيجة ظروف تستدعي تطبيقه، مما يعني أنه يراعي مصلحة المجتمع والمرأة تحديدا، وأعتقد أن هذا القرار من شأنه تعزيز الرقابة الذاتية لدى المرأة، وتعزيز الثقة في التعامل بين أفراد المجتمع، وأعتقد أن تخصيص أدوار أو أجنحة لسكنى المرأة يعتبر اتهاماً للمجتمع بأنه مجتمع منحرف ولا يحترم المرأة، وهذا غير صحيح، فنحن مجتمع متدين ومحافظ ، والخطيئة الأخلاقية أحد طرفيها الرجل، فلماذا يعتقد البعض سوء النية مسبقا في المرأة؟!quot;.
وأضاف أن وجود فئة من ضعاف النفوس من الجنسين في الحياة لا يعني إلصاق التهمة بالمجتمع بأسره، ونزع الثقة من المرأة، وإلغاء قيم المجتمع، واتهام الرجال بأنهم جميعا سيئون، مشيرا إلى أن ذلك يجب ألا يعطي شعورا بإغفال دور الرقابة الذاتية والحكومية.
وأوضح البواردي أن القرار يوقع على أمن الفندق مسؤولية حماية كافة القاطنين، ومراقبة سلوكياتهم رجالا ونساء، مؤكدا على أنه يجب علينا ممارسة واجبنا كمجتمع في التعاون على البر والتقوى، والعمل بمبدأ (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر).
- آخر تحديث :
التعليقات