سركيس نعوم

قبل عام 2005 أي قبل انسحاب الجيش السوري من لبنان بفعل الانتفاضة الشعبية التي اعقبت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وكذلك بفعل الانتفاضة الدولية على سوريا بشار الأسد التي سبقت الاغتيال وتمثلت بقرار مجلس الأمن 1559، قبل ذلك العام كانت زيارة الصحافي اللبناني المهتم بأوضاع بلاده لواشنطن ادارة متنوعة ومراكز أبحاث ولنيويورك الجمعيات والمنظمات اليهودية الأميركية الفاعلة والأمم المتحدة وأيضاً مراكز الأبحاث تنتهي بانطباعات لا تدعو الى كثير من التفاؤل. فلبنان كان يعيش انذاك استقراراً أمنياً مفروضاً بالقوة السورية المباشرة وبالقوة اللبنانية النظامية الخاضعة لتوجيهاتها ووصايتها. وكان يعيش عدم استقرار سياسي مغطى بانتظام قسري للحياة السياسية لا يعبر عن حقيقة مشاعر المواطنين ومواقفهم. وكان خوفه كبيراً من دوام سيطرة سوريا عليه ونجاحها في انهاء تجربته الديموقراطية على هشاشتها. لكن ذلك كله لم يكن يدفع الولايات المتحدة اياً تكن الادارة الحاكمة فيها الى quot;بذل كل ما تستطيع من جهدquot; من أجل مساعدة لبنان على استعادة نفسه من سوريا وعلى اعادة بناء دولته الديموقراطية والسيدة والمستقلة. ذلك ان علاقتها بسوريا، على الثغر الكثيرة فيها، كانت جيدة الى حد معقول. علماً ان احتلال اميركا العراق عام 2003 واسقاطها نظام صدام حسين الذي حكمه على مدى عقود وما أعقب ذلك من مواجهات مسلحة بين الجيش الاميركي ومقاومة العراقيين وغير العراقيين الذين كانوا بدأوا يتسللون من سوريا الى العراق ومن حدود عربية وغير عربية أخرى كان بدأ يفتح عين واشنطن على سوريا ودورها المزدوج في لبنان والمنطقة، وخصوصاً بعدما توثقت علاقاتها بالجمهورية الاسلامية الايرانية منذ تولي الدكتور بشار الاسد خلافة والده الراحل حافظ الأسد في رئاسة الجمهورية. وبعد تعاظم الدور الايراني في هذه العلاقة على حساب الدور السوري بعد 2005 فإن زيارات اي صحافي لبناني مهتم بأوضاع بلاده كانت تنتهي معظم الأحيان بالتفاؤل. فأميركا والمجتمع الدولي ومعهما المجتمع العربي quot;حررواquot; بضغطهم وبضغط دم رفيق الحريري لبنان من وصاية سوريا وانخرطوا في جهد بدا كبيراً جداً من أجل مساعدته على تصفية آثار التركة السورية المباشرة وغير المباشرة وعلى تحصينه في وجه القوى الاقليمية صاحبة الاستراتيجيات المتطرفة في المنطقة والساعية الى توظيف لبنان من أجل تطبيقها. علماً انها كانت حققت نجاحاً مهماً على هذا الصعيد في السابق.
أما الآن أي الربع الأول من السنة الجارية 2008 فإن زائر الولايات المتحدة يحار بأي انطباع يخرج من لقاءاته واجتماعاته على مدى خمسة أسابيع مع مجموعة كبيرة من العاملين في الادارة على تنوعها ومن الباحثين المتنوعي الميول والانتماءات الفكرية والسياسية والعاملين السابقين في الادارة ولكن المستمرين في تعاطي الشأن العام. ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال الايحاء أن السلبية يمكن ان تطغى على الانطباع الذي يتكوّن. لكنه يعني غياب الانطباعات النهائية أو بعضها وغياب التصوّر الواضح والنهائي لتطور الأوضاع سواء في لبنان أو حتى في المنطقة. علماً ان هذا النوع من الغياب لا يعني انتهاءً لالتزام الولايات المتحدة وتحديداً الادارة الحالية الحاكمة فيها حتى نهاية الثلث الثاني من كانون الثاني المقبل (2009) قضية لبنان السيد الحر المستقل الديموقراطي. ولا يعني انتهاء التزام تقديم كل ما يمكن من مساعدات له كي يحقق كل اهدافه واهداف quot;شعبهquot;. وفي ظل كل ذلك قد يخلص زائر واشنطن ثم نيويورك الى ان الهم الاميركي في هذه المرحلة لم يعد تحقيق التقدم بل المحافظة على الوضع الراهن والمساعدة على صموده في وجه اعدائه الداخليين والخارجيين وخصوصاً بعدما انتقلوا منذ مدة من الدفاع الى الهجوم مستفيدين من امور عدة منها تعثر فريق الغالبية (14 آذار) وعدم تحوله فريقاً منسجماً، ومنها اصرار المعارضة (8 آذار) وحليفيها السوري والايراني على رفض تسهيل أمر أي حل والتمسّك فعلاً وليس قولاً بصيغة الغالب والمغلوب اقتناعاً منهم بأن أميركا على أبواب معركة انتخابات رئاسية وهم يستطيعون الصمود الى حين انتخاب الرئيس الاميركي الجديد الذي قد يعيد الاعتبار اليهم. وهو اعتقاد قد لا يكون في محله كثيراً وخصوصاً ان الحوار معهم أو مع بعضهم الذي قد يرغب فيه الرئيس الاميركي الجديد لن يكون على حساب المصالح الحيوية والاستراتيجية الاميركية وابرزها النفط واسرائيل ولا على حساب العراق والوجود العسكري الاميركي فيه ولا على حساب حلفاء اميركا من العرب ولا على حساب لبنان الذي يتشارك الحزبان الاميركيان الرئيسيان أي الديموقراطي والجمهوري، في الاهتمام به وفي الرغبة في مساعدته الا طبعاً اذا حصل تطور ما في لبنان أظهر ان رهان سوريا وربما ايران على ان شعبه أو شعوبه غير مؤهلة لأن تتعايش أو أن تؤسس دولة هو في دولة واذا ادى ذلك الى تغليب نظرة اسرائيل التي كانت تقول دائماً ان خروج سوريا من لبنان لم يكن في مصلحتها لأنه غيب القوة الوحيدة القادرة على فرض الاستقرار فيه وضبط quot;حزب اللهquot; وغيره.
في أي حال سيكون هناك متسع من الوقت في حلقات زيارتي الموسمية لاميركا والتي انتهت قبل يومين كي يطلع القراء على المواقف الرسمية وغير الرسمية من كل القضايا وفي مقدمها المحكمة الخاصة بلبنان التي يبلغ الاهتمام الاميركي بها والدولي ذروته واوضاع لبنان وسوريا والعراق والاردن واسرائيل وفلسطين وايران والخليج العربي. ولعل ابرز ما قد يطلعون عليه الاتصالات وان غير الرسمية بين اسرائيليين وquot;عربquot; يشددون اليوم كما دائما على عدائهم لاسرائيل.