رغيد الصلح

تتّسم رئاسة القمم في اغلب الاحيان بصفة رمزية لا تخوّل صاحبها صلاحيات واسعة، الا انها لا تجرّده كلياً من المسؤوليات والصلاحيات ومن ثم فانها ليست خالية من الدلالات. فرئاسة القمّة تعزز مكانة الدولة التي تتولاها، وتعلي من شأن رئيس الدولة. الاهم من ذلك ان الرئاسة تسمح للرئيس بالاضطلاع بدور خاص في متابعة مقرّرات القمة. فاذا اتسم رئيس القمة بالدراية تمكّن من ممارسة دور القيّم على تنفيذ مقررات القمة بنجاح. وحيث ان الشكوك تحيط دوما بمدى التزام مؤسسات العمل العربي المشترك بالمقررات الصادرة عن مؤتمراتها، وحيث ان هذه المسألة كانت مادة اهتمام كبير ومتزايد رافق انعقاد القمم العربية في الالفية الثالثة، فانها سوف تكون محكّا لنجاح الرئيس السوري بشار الاسد في اضطلاعه بدور رئيس القمة العربية. ولكن حتى تحقّق رئاسة القمة قدرا معقولا من النجاح على هذا الصعيد، فانها تحتاج الى مجابهة ثلاثة تحديات صعبة:

التحدي الاول والاكبر هو اعادة ترميم الصدع الذي اصاب العلاقات العربية - العربية وذلك بدءا من احياء المحور المصري - السعودي - السوري. ولكي نؤكد على اهمية هذه الخطوة واثرها الكبير على المنطقة، يكفي ان نتذكر دور المحور الثلاثي في حرب عام 1973. فلقد تمكن هذا المحور من تحقيق درجة معقولة من التنسيق الذي شمل المنطقة العربية بما فيها تلك الدول التي شككت بادئ الامر في اهداف الحرب. واثبت التنسيق العربي - العربي فعاليته اذ سمح للدول العربية ان تحقق مكاسب كان من اهمها تعزيز مداخيلها النفطية.

ان العودة الى ذلك المستوى من التنسيق بين الدول الثلاث ومن ثم بين الدول العربية ليس هيّنا، خاصة اذا ما اخذ المرء بعين الاعتبار التدهور الشديد الذي اصاب علاقات الدول الثلاث في الآونة الاخيرة. ولكنها ليست المرة الاولى التي تتدهور فيها العلاقات بين الدول العربية ثم يسوّى الامر فيما بينها. ولنتذكر هنا مرة اخرى، ان العلاقات بين اطراف المحور الثلاثي العربي لم تكن في احسن حالها في مطلع السبعينات، ولكنها ما لبثت ان اخذت في التحسن حتى وصلت الى حد مكّن الدول الثلاث من قيادة الحرب والتنسيق لخوضها.

ان التحرك الذي قام به الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في اعقاب قمة دمشق، يمثل خطوة سليمة على هذا الطريق. واذا لم تحقق هذه الخطوة ثمارها المباشرة، فالسبب هو ان laquo;الحديدة لا تزال حاميةraquo; كما يقولون. فالصراع وصل الى ذروته على ابواب القمة، ورغم ان القمة مرت بهدوء، فان التوترات لم تهدأ تماما بعدها مباشرة. وهكذا كان من الصعب التفكير بالخروج السريع منها. ان مرحلة من الهدوء على جبهة العلاقات الثلاثية سوف توفر المناخ المناسب للرئيس الجزائري لتحرك جديد يحالفه النجاح. وتسهيلا لمثل هذه المهمة في المستقبل، وحيث ان المسألة اللبنانية لعبت دورا في توتر العلاقات بين اطراف المحور العربي الثلاثي، فانه سوف يكون مفيدا لو أن بعض اطراف المعارضة اللبنانية سهل مهمة الذين يعملون على تحسين العلاقات بين الدول العربية الثلاث.

التحدي الثاني هو احتواء الضغوط الاميركية المتوقعة. وهذه الضغوط لم تهدأ لحظة منذ ان بدأت الترتيبات العملية لعقد القمة العربية تخرج الى العلن. فادارة الرئيس الاميركي بوش لم تحجب ضغوطها عن الأعين، بل قدمت laquo;نصائحraquo; علنية الى القادة العرب بصدد مقاطعة قمة دمشق. وكما كان موقف ادارة بوش تجاه مؤتمر القمة، سوف يكون موقفها مماثلاً تجاه رئاسة القمة. فاذا كان تنفيذ مقررات القمة يعود بالفائدة المعنوية على رئاستها، فان ادارة بوش سوف تعمل على احباط أي مسعى في هذا الاتجاه. تصريح ديفيد ولش الذي اعلن laquo;فشل القمة في معالجة اهم القضايا العربيةraquo;، واعتبر ان انعقادها في دمشق هو سبب هذا laquo;الفشلraquo;، يؤشر على الموقف الذي سوف تتخذه ادارة بوش تجاه رئاسة القمة العربية.

ان موقف ادارة بوش لا يرتبط بالتوتر الراهن في العلاقات السورية - الاميركية فحسب، ولكنه حصيلة نظرة استراتيجية اميركية، ونظرة ديك تشيني نائب الرئيس الاميركي الى النظام العالمي والى العلاقات الدولية، والى التكتلات الاقليمية وخاصة في المنطقة العربية. لخّصت هذه النظرة في الوثيقة الشهيرة التي حدد فيها البنتاغون خلال عام 1992 استراتيجية الولايات المتحدة تجاه مثل هذه التكتلات. وكما يذكر البعض، فقد جاء في الوثيقة ان الولايات المتحدة laquo;... سوف تسعى الى منع اية دولة معادية من الاضطلاع بدور مهيمن في منطقة تتضمن طاقات تحوّل هذه الدولة الى قوة عالميةraquo;. وحددت الوثيقة ان هذه الطاقات تشمل نفط الخليج تحديدا. واضافت الوثيقة ان اهتمام الولايات المتحدة كان في السابق، قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، منصبّا على منعه ومنع القوى الكبرى، مثل اليابان والمانيا، من الاضطلاع بذلك الدور، الا ان التطورات الدولية التي وضعت حداً لمثل هذا الاحتمال سمحت لواشنطن ان توجه جهودها في هذا المضمار الى منع laquo;قوى اقليمية، معادية ومحدودة القوةraquo; من الاضطلاع بمثل هذا الدور.

هذه الوثيقة رمت في اعقاب حرب العراق الاولى الى توجيه جهود الولايات المتحدة باتجاه مواصلة ضربه ومنع استعادته قواه، تمهيدا لاحتلاله في مراحل لاحقة. اما اليوم فان هذه الملاحظات تنطبق على ما يدعى بالمحور السوري - الايراني، وعلى كل من طرفي المحور على حدة. فاذا كانت رئاسة القمة العربية تمدّ هذا المحور، من وجهة نظر اميركية، بموقع مهم في التكتل الاقليمي العربي، فان ادارة بوش سوف تعمل على اجهاض هذا الاحتمال.

واذا كانت هذه الرئاسة تسمح لدمشق، على حدة، بتعزيز موقعها وباكتساب مشروعية اضافية دولية واقليمية، فان ادارة بوش - تشيني لن تتوقف عن العمل على منع دمشق من الاستفادة من هذا الموقع.

ان السعي الى حرمان الرئيس السوري من مزايا ترؤسه القمة العربية لا ينسجم مع سياسة الادارة الاميركية تجاه دمشق فحسب، ولكنه ينسجم مع سياستها العامة تجاه النظام الاقليمي العربي. فاستبدال الاقليمية العربية باقليمية شرق اوسطية تضطلع فيها اسرائيل بدور مهم، واستبدال المحور الثلاثي العربي بمحور laquo;دول عربية معتدلة + اسرائيلraquo; هما من الاهداف والركائز الرئيسية لادارة جورج بوش في المنطقة العربية.

ان مواجهة مثل هذا التحدي الذي قد يستمر، ولاعتبارات متعددة، حتى بعد ذهاب جورج بوش من البيت الابيض، يتطلب التعجيل في استعادة التضامن العربي، كما يتطلب ايضا تحركا نشيطا من اجل تنمية علاقات القمة العربية مع التكتلات الاقليمية الاخرى في العالم مثل laquo;آسيانraquo; و laquo;ميركوسورraquo; والاتحادين الاوروبي والافريقي. ان مثل هذا التحرك سوف يفسد على ادارة بوش سعيها الى استخدام موقفها تجاه دمشق كرافعة وكمبرّر لعزل التكتل الاقليمي العربي على الصعيد الدولي.

التحدي الثالث ناجم عن صفة النظام السوري باعتبار ان الحكومة السورية تعتنق فكرة القومية العربية. هذا الاعتبار يضع على عاتق رئاسة القمة مسؤوليات خاصة. فالرئاسة السورية سوف تكون مطالبة بتحقيق خطوات وانجازات قد لا يطالَب غيرها بها. ولسوف يقيس البعض خاصة من المنتقدين اداء رئاسة القمة بهذا المعيار. على هذا الصعيد، فانه من المستحسن ان تهتم الرئاسة السورية اهتماما خاصا بالعلاقات العربية الوظيفية.

لعلّ رئاسة القمة تحقق تقدما في مضمار العمل العربي المشترك اذا حددت لنفسها منذ الآن وحتى القمة الدورية المقبلة في عام 2009، هدفا واقعيا ومعلنا وقابلا للانجاز. ولقد اشار اعلان دمشق الى مسألة تطوير منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى (غافتا) وصولا الى تحقيق السوق العربية المشتركة. ان المنطقة تراوح مكانها الآن بسبب العقبات غير الجمركية التي تعترض تنمية التبادل التجاري العربي. ولسوف تقدم رئاسة القمة نموذجا جديدا في العمل اذا اخذت على عاتقها التركيز على معالجة هذه المشكلة وازالة هذه العقبات والاختناقات او معالجة البعض منها اذا كان متعذرا عليها التغلب عليها كلها. فاذا وصلنا الى القمة المقبلة وتمكنت الرئاسة من انجاز خطوات جديّة على هذا الطريق، واذا تمكنت بفضل جهودها من زيادة نسبة التجارة البينيّة العربية، فانها سوف تحقق بذلك انجازا مهما يعزز مصداقيتها ومشروعيتها على الاصعدة الرسمية والشعبية، ويرسي اساسا اكثر جدية لعمل رئاسات القمم العربية في المستقبل.