علي راشد النعيمي

تمثل أزمة غزة نموذجاً للواقع العربي بجميع مكوناته، نموذجا يتميز بالفشل والتفكك والصراع من أجل السلطة على حساب الشعب، وانعدام الرؤية للهدف الذي ينبغي أن نسعى إليه، ومتاجرتنا بقضية وطنية من أجل مصالح فردية وحزبية، بل وقدراتنا المتميزة في خلق أعداء جدد وتحويل المناصرين إلى أعداء أو متفرجين. ووصل الأمر ببعضنا أن أخضع قضيتنا العادلة للأجندات الإقليمية تسيرها وفق مصالحها الخاصة. والمصيبة أن الضحية الكبرى في كل هذا هي الشعب كما هو الحال في غزة الآن، فأعداد الشهداء قاربت حتى اليوم الأربعمائة شهيد، والجرحى ألفين، والأعداد مرشحة للزيادة، فنحن أمام عدو غاشم يملك قوة تدميرية هائلة لا تملكها الجيوش العربية مجتمعة.
فيا ترى من الرابح في هذه المعركة؟ هل هي quot;حماسquot; أم إسرائيل أم الغرب أم من؟ في تصوري المتواضع أن الجميع خاسر. فـquot;حماسquot; خسرت عندما ضحت بأهل غزة من أجل الأجندة الإقليمية كي تخلط الأوراق السياسية في المنطقة بأسرها بإلغائها للهدنة متسلحة بألعابها النارية التي ستزلزل الأرض من تحت أقدام الإسرائيليين! وهنا أتذكر تصريحات أمين عام quot;حزب اللهquot; التي أدلى بها بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 من أنه لو كان يعلم بما ستفعله إسرائيل من تدمير في لبنان لما أمر بمهاجمة الجنود الإسرائيليين وأسرهم، ولكنه الآن وجد الحل فهو يحارب إسرائيل بدماء الفلسطينيين ويجد في العالم العربي من يمجده ويصفق له.

وكذلك أضرت quot;حماسquot; بمصداقيتها عندما استخدمت الحصار الإسرائيلي الغاشم لغزة في صراعها مع quot;فتحquot; والسلطة الفلسطينية فأخضعت عبور الحجاج لشروطها السياسية، ثم توجت ذلك بمنع عبور الجرحى إلى مصر للعلاج وهم ضحايا العدوان الإسرائيلي أولاً، وضحايا قرارات quot;حماسquot; ثانياً، كما صرح المتحدث الرسمي لـquot;حماسquot; من أنهم لن يسمحوا بعبور الجرحى إلا إذا فتح معبر رفح للجميع. والأخطر من ذلك كله أن quot;حماسquot; قد حادت عن سياسة مؤسسها الشيخ أحمد ياسين رحمه الله من التزام الحركة بقضية فلسطين وابتعادها عن الصراعات الإقليمية، وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى مما أكسبه احتراماً وتقديراً من الجميع. ولكن يبدو أن التلاميذ قد ظنوا أنهم أكثر وعياً وفهماً من شيخهم فدخلوا في دهاليز صراعات القوى الإقليمية، بل وتحالفوا مع قوى إقليمية تاجرت بقضية فلسطين سنين طويلة ولم يجدوا منها إلا الأذى والخذلان.
ويمثل الموقف الذي أعلنه موسى أبو مرزوق عن جزر الإمارات التي تحتلها إيران نموذجاً على مثل هذا التحول في منهجية عمل حركة quot;حماسquot;. والعلاقة مع مصر تمثل هي الأخرى نموذجاً آخر لهذا التحول. فاستعداء مصر يعد خطأ استراتيجياً لكل من يريد تحرير فلسطين والتاريخ خير شاهد على ذلك، فتحرير فلسطين كان يتم دائماً بدماء المصريين ولا ينكر ذلك إلا مكابر.
وأما إسرائيل فهي الخاسر الأكبر لأنها بهذا العدوان ستجد أنها تخلق أجيالاً في المنطقة بأسرها لا ترى فيها إلا عدواً لا يفهم إلا منطق القوة، ولا يمكن التحدث معه إلا بلغة الدم، ولن تجد شريكاً في المنطقة يستطيع أن يتفاوض معها في مثل هذه الظروف لأنه سيخسر مصداقيته أمام شعبه والعالم. ومهما استمرت في القتل والتدمير فلن تجد في الشعب الفلسطيني الأبي إلا الصمود والمقاومة، فلا يوجد في ثقافته مصطلح الاستسلام ولا في معجمه كلمة الخضوع.
ومن الخاسرين في هذا العدوان الغاشم الولايات المتحدة والغرب، فالظلم الواقع على أهل غزة سيكون وقوداً للإرهاب والتطرف في كل مكان في العالم، وسيؤدي إلى مزيد من الحقد والكراهية لأن هذا العدوان يتم بأسلحة أميركية، وبغطاء غربي، بغض النظر عن مبرراته لأن الضحية هم الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة.