سمير صالحة

يصر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان على أن رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت خدعه، خلال زيارته الاخيرة الى انقرة، حيث طالبه بمواصلة جهود السلام التي تقودها تركيا بين سوريا واسرائيل في موضوع الجولان، وقدم له تعهدات بعدم التصعيد في الاراضي العربية المحتلة، واعتماد لغة الحوار لتكون الوسيلة الانجع لحل الخلافات والصراعات.
من هنا فإن أردوغان أراد ان يبقي تل ابيب خارج برنامج زيارته التي بدأها في مطلع الاسبوع، وتشمل اربع عواصم عربية لها موقعها ودورها المهم على الساحة الاقليمية، ويتقدمها مصر والسعودية والاردن وسوريا.
انقرة التي تقوم بتحركها الاقليمي هذا، تضع في اعتبارها حجم المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة، ولغة العنف الدموي التي يقودها الجيش الاسرائيلي، التي لم تفرق بين مدنيين وعسكريين بين اطفال ونساء وشيوخ اولا، ثم تتحرك ثانيا بناء على رغبة اقليمية ودولية تراهن على التجارب والخبرات الكثيرة التي اكتسيتها الدبلوماسية التركية في السنوات الأخيرة من خلال تحرك بأكثر من اتجاه وقضية ميزت لغة الحوار والاعتدال والرغبة الحقيقية في السلم الاقليمي.
ورئيس الوزراء التركي الذي التقى عشية الانطلاق في هذه الجولة، رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني ووزير الخارجية المصري احمد أبو الغيط، واجرى اكثر من اتصال مع قيادي عربي واسلامي يحمل في جعبته مشروعا يهدف لوقف فوري لاطلاق النار، ورفع الحصار المضروب حول غزة، وتسهيل مرور شاحنات التموين، ونقل المرضى عبر معبر رفح بالدرجة الأولى.
التحرك التركي هذا يحمل بايجاز، رغبة جادة بقبول المغامرة والتحدي على طريق وقف الهجمات الوحشية، التي تستهدف غزة وسط حالة اللامبالاة الاميركية والعالمية، خصوصا من قبل الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي، وهو في هذا الاطار يعطي نقطة عبور رفح الأهمية الاكبر لناحية عودة المراقبين الاوروبيين لتحمل مسؤولياتهم، وفي حال تعذر ذلك فإن انقرة جاهزة كما يبدو وفي حال بروز رغبة عربية واسلامية ودولية، ضمن هذا الاتجاه لتحمل مسؤولياتها المباشرة من خلال ارسال قوات سلام تركية الى المعبر المذكور او المشاركة في قوة جديدة تولد ضمن هذا التوجه.
الجولة الاستراتيجية التي يقوم بها أردوغان لن تستثني احدا من الأطراف، خصوصا قيادة حماس في دمشق، وهي ستتوسع في مرحلتها الثانية لتشمل دولا وعواصم جديدة، قادرة على الدعم والتأثير بينها ايران ودول الخليج والمغرب العربي، وضمن هذا التوجه المنفتح على الجميع سارع رئيس الجمهورية التركي عبد الله غل للاتصال بالرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز، لنقل وجهة النظر التركية الرسمية بهذا الخصوص، والاستماع الى ما ستقوله تل ابيب على الصعيد السياسي تجاه التحرك التركي هذا رغم ان تركيا سبق ووصفت الاسلوب الاسرائيلي بالإهانة الى الجهود التركية.
وانقرة هنا قد تطالب حماس بإعطاء السلام والحوار الفرصة الاولى لناحية التخلي عن اطلاق الصواريخ باتجاه المدن الاسرائيلية، والعودة الى طاولة الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني لكنها ستطالب اسرائيل والغرب مقابل ذلك، بوقف وصف حماس بـlaquo;المنظمة الارهابيةraquo;، واعلان مشروعيتها وقبولها كقوة سياسية فلسطينية فاعلة على الارض.
الجهود التركية بإيجاز، هي محاولة للمشاركة في حلحلة الخلافات والجمود السياسي على الساحة العربية، وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء، لأنها باتت تعتبر نفسها جزءا من هذا البيت ومن همومه ومشاكله وافراحه في الوقت نفسه، فهي كما هو معروف اخذت في السنوات الثلاث الأخيرة موقعها الدائم في قلب الصور التاريخية التي كانت تلتقط في اكثر من عاصمة عربية.
تركيا اقليميا تراهن أخيرا على حماية قطع واحجار الدومينو، التي يحذر صانع السياسة الاقليمية الجديدة الاكاديمي احمد داود اوغلو من سقوطها، فهي لعبة تحمل الكثير من المخاطر والتهديد وانعكاساتها تطال الجميع من دون استثناء، فسقوط قطعة واحدة داخل هذه الرقعة تهدد بقية القطع وتقود الى تدخرجها. افراحنا باتت واحدة وكذلك احزاننا، ومن يراهن على غير ذلك فهو لن يكون جزءا من المنطقة ومن خصائصها وتركيبتها. انقرة في النهاية تريد ان تذكر الرئيس الاميركي المنتخب اوباما، ومن خلال تحركها هذا، ان اسرائيل التي دخلت على الخط مؤخرا لوضع العصى في عجلة عربة القيادة الاميركية الجديدة حتى قبل انطلاقها، تحاول ان تثبت لاوباما ان اسرائيل تضع دائما مصالحها هي فوق كل اعتبار، وتحذر من تجاوز الخطوط الحمراء في لعبة معادلتها الأمنية والاستراتيجية، خصوصا من خلال رفضها اقتراحات ودعوات وقف اطلاق النار الأخيرة الصادرة عن اكثر من طرف اقليمي ودولي.