محمد عبدالجبار الشبوط

التداخل بين الانتماء الحزبي والادارة الحكومية أدى الى اغفال مبدأ الكفاءة والخبرة
كشف المسؤول الاعلامي في الاتحاد الوطني الكردستاني ان رئيس الجمهورية الامين العام للاتحاد جلال الطالباني قدم مشروعا يقضي بفصل النشاطات الحزبية عن عمل حكومة اقليم كردستان.
لم يتسن لي متابعة الخبر، بعد ذلك، لكن الفكرة بقيت تدور في ذهني. ذلك انها في حال تحققها فإنها سوف تسجل نقطة تحول في مسار العملية السياسية ليس فقط في كردستان، حيث طرحت الفكرة، وانما في عموم العراق حيث آمل ان تطرح.
الطبقة السياسية العراقية وضعت جملة من المعايير والمبادئ والاساليب في تشكيل الحكومة والادارات التابعة للدولة، منها: الاستحقاق الانتخابي، والمحاصصة الحزبية والعرقية والمذهبية، التوازن، والتوافق.
هذه المعايير أدت، بشكل مباشر، الى دمج الاحزاب بمؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية، من اعلى مستوياتها الى ادناها. وصارت هذه المؤسسات تملأ باشخاص يتعين عليهم ان يحققوا بنجاح احد اهم هذه المعايير وهي الانتماء الحزبي لجهة حزبية داخلة في هذا النظام.
وهذا ما ادى ضمنا الى تغليب مبدأ الانتماء (ضمنا الولاء) على معياري المواطنة والكفاءة في تولي المراكز الحكومية. وكانت النتيجة ان اشخاصا عديدين لا يمثلون افضل ما في المجتمع من طاقات، تولوا مناصب كثيرة في الدولة في مجلس النواب ومجلس الوزراء وبقية المواقع.
ويتعين الآن على علماء الاجتماع والسياسة والادارة في العراق ان يدرسوا ويحللوا العلاقة بين اعتماد هذه المعايير وتضخم ظواهر سلبية في الدولة مثل (1) الفساد المالي والاداري والسياسي، بما في ذلك الرشوة والمحسوبية والوساطة، و(2) تردي الخدمات وعدم قدرة الدولة على القيام بوظائفها بشكل افضل، و(3) تدني مستوى النزاهة والكفاءة والاخلاص الوظيفي في اداء هذه الاعمال والوظائف، (4) تخلف مشاريع الاعمار واعادة البناء، و(5) تراجع الدور الرقابي لمجلس النواب.
تشبع هذه الطريقة نزعة الاحزاب الى التسلط والامساك بزمام الامور في الدولة، وتحقق رضا اعضائها وانصارها، لكنها لا تستجيب دائما لشروط قيام الدولة بوظائفها، بل ان الوظائف والاختصاصات والصلاحيات التي حددها الدستور لسلطات الدولة التنفيذية لا تتطلب انتماء حزبيا وعرقيا ومذهبيا معينا للقيام بها على أكمل وجه. فهي وظائف واعمال يستطيع كل مواطن القيام بها، بشرط توفر عنصري الكفاءة والنزاهة فيه.
لا تنطلق الدعوة الى فصل الاحزاب عن الادارات الحكومية من فراغ، وانما من ادراك بدأ يتراكم مؤخرا بان الدمج، او التداخل، لم يكن في صالح الدولة والمواطنين. وهي دعوة يمكن ان تشكل احد اعمدة المشروع الاصلاحي للعملية السياسية. يقوم هذا المشروع على تقسيم دوائر الفعل والقرار وتوزيعها على الفاعلين السياسيين والاجتماعيين بشكل يضمن تحقيق درجات عالية من كفاءة العمل وجودة الانتاج.
ويكون التقسيم ضمن الدوائر الثلاث الآتية:
الدائرة الاولى، مجلس النواب الذي يكون المكان الاساسي لتواجد الاحزاب في الدولة، حيث تقوم بمهمات التشريع والمراقبة والتصديق ومنح الثقة وسحبها، وهي صلاحيات اساسية في بنية الدولة، لا تقلل من دور الاحزاب ولا تهمشه.
الدائرة الثانية، مجلس الوزراء والهيئات الحكومية المختلفة التي سيتم ملؤها، بشفافية وعلى اساس التنافس الحر، بمواطنين يتحلون بشروط الكفاءة والنزاهة والاخلاص والتاريخ الوظيفي السليم، على قاعدة الشخص المناسب للمكان المناسب. وستكون خاضعة بطبيعة الحال لمراقبة مجلس النواب، أو للاحزاب.
الدائرة الثالثة، مجلس التوافق، وهذه دائرة انتقالية تنتفي الحاجة اليها بعد استقرار الدولة وترسخ جذور وجسور الثقة بين مكونات المجتمع.