خيرالله خيرالله

ما العمل في مواجهة العدوان الإسرائيلي الذي يتعرض إليه قطاع غزة في وقت يقف العالم متفرجاً، وكأنه غير معني بالجرائم التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني؟
لا بدّ قبل أي شيء آخر من وقفة صادقة مع النفس والاعتراف بأن ثمة حاجة أولاً إلى موقف عربي موحد يصدر عن قمة كتلك التي دعا لها أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. ثمة حاجة أيضاً إلى الاعتراف بأن هناك حاجة إلى جهود كبيرة من أجل التوصل إلى وقف للنار بما يسمح بوضع حدّ للكارثة التي حلت بغزة والغزاويين. وقف النار ممكن في حال اقتناع laquo;حماسraquo; بأن أقصى ما تستطيع تحقيقه هو الانتصار على غزة وإخضاع أهلها لا أكثر. مثل هذا الانتصار لا يعني شيئاً بمقدار ما أنه سيوظف من المحور الإيراني - السوري في السعي إلى عقد صفقة مع الأميركيين والإسرائيليين على حساب الشعب الفلسطيني. هل هذا ما تسعى إليه laquo;حماسraquo; أم لديها القدرة على تغليب المصلحة الفلسطينية على كل ما عداها والتفكير في الانتقال من وقف للنار، تعرف تماماً ما هي متطلباته، إلى مشروع سياسي معقول ومقبول يستند إلى قرارات الشرعية الدولية؟ مثل هذا المشروع في حاجة إلى تغطية عربية عن طريق عقد قمة، وذلك رغم أنه موجود على أرض الواقع، أي كنص يحظى، من حيث المبدأ، بإجماع عربي.
يفترض في حركة مثل laquo;حماسraquo; أن تدرك أن لا معنى لحرب غزة من دون إيجاد أفق سياسي لها. مثل هذا الأفق لا يكون بتحويل الحرب إلى حرب على مصر انطلاقاً من معبر رفح. هذا المعبر ليس معبراً تتحكّم به مصر المرتبطة بمعاهدة سلام مع إسرائيل منذ العام 1979. من يتحكم بالمعبرالاتفاق الذي تم التوصل إليه مع السلطة الوطنية في العام 2005 وأدى إلى وضع مراقبين أوروبيين في المعبر. إن قرار إغلاق المعبر وفتحه ليس قراراً مصرياً فقط. ولذلك لا مبرر للحملة على مصر التي تدرك أن فتح المعبر مرتبط بالشرعية الفلسطينية والمراقبين الأوروبيين، كما كانت عليه الحال قبل الانقلاب الذي نفّذته laquo;حماسraquo; منتصف العام 2007.
لا يمكن في أي شكل قبول ما تفعله إسرائيل في غزة. إن العدوان الإسرائيلي مدان جملة وتفصيلاً. ولكن لا بدّ من الاعتراف في المقابل أن توفير المبررات لإسرائيل كي تشن هذا العدوان بدعم أميركي واضح كل الوضوح، لا يخرج laquo;حماسraquo; من المأزق السياسي الذي وجدت نفسها فيه، والذي يشكل أفضل تعبير عنه تحولها أسيرة لدى الأسير الإسرائيلي الذي تحتجزه منذ يونيو 2006.
بعد العدوان الإسرائيلي على غزة وسقوط مئات الضحايا في صفوف أبناء الشعب الفلسطيني وحصول هذا الدمار كله في منطقة لا تتجاوز مساحتها ثلاثمئة وستين كيلومتراً مربعاً عدد سكانها مليون ونصف المليون نسمة، لم يعد مجالا لبطولات على حساب الدم الفلسطيني. تمثّل الفشل الأول لـlaquo;حماسraquo; في عدم قدرتها على تحويل المعركة مع إسرائيل إلى معركة تصفية حسابات مع مصر عن طريق استخدام حجة المعبر. مرة أخرى، تبين أن المصريين العاديين يعرفون تماماً أن الحديث عن المعبر ليس سوى جزء من الحرب الدائرة حاليا بين مصر من جهة والمحور الإيراني - السوري من جهة أخرى. المطلوب من laquo;حماسraquo;، إيرانياً، الضغط على مصر التي لم تحسن بعض الدوائر فيها في الماضي القريب استيعاب خطورة laquo;حماسraquo; والمعنى الحقيقي لاستيلائها على غزة والأهداف الخفية للانقلاب على الشرعية الفلسطينية. هذه الشرعية التي ضعفت كثيراً جراء حال الترهل التي تعاني منها laquo;فتحraquo; منذ فترة طويلة. إن استخدام المحور الإيراني - السوري قضية المعبر للضغط على مصر خطأ كبير في الحسابات، ودليل على الجهل التام بتركيبة مصر والمجتمع المصري!
رغم صعوبة تصور laquo;حماسraquo; في وضع القادر على اتخاذ قرار حكيم، لا بدّ من قول الكلام الذي يجب قوله تفادياً لمزيد من الضحايا والدمار. فحوى الكلام أن على الجانب الفلسطيني ككل الاعتراف بأن لعبة إطلاق الصواريخ تخدم إسرائيل المستفيدة من الموقف الدولي لمتابعة عدوانها. هناك خلل كبير في موازين القوى لمصلحة إسرائيل. إنه الظلم بعينه، ولكن في مواجهة هذا الظلم، هناك لعبة وحيدة في المدينة. اسم هذه اللعبة التوصل إلى وقف للنار والإعلان في وقت ذاته عن عودة غزة إلى كنف الشرعية الفلسطينية. لا مفر من العودة إلى هذه الشرعية التي تمتلك برنامجاً سياسياً واضحاً مقبولاً من المجتمع الدولي. في حال لم تقبل laquo;حماسraquo; هذا الطرح، ستستمر المأساة وسيستمر الشعب الفلسطيني في دفع فواتير الطموحات الإيرانية من دم أبنائه.
لعل أخطر ما في المأساة التي تشهدها غزة حالياً أن إسرائيل على استعداد للذهاب بعيداً في عدوانها وجرائمها، نظراً إلى أن المستقبل السياسي لتسيبي ليفني، وزيرة الخارجية، وزعيمة حزب laquo;كاديماraquo;، يتوقف على النتائج التي ستتحقق نتيجة الحملة العسكرية على القطاع. وما ينطبق على ليفني، ينطبق أيضاً على إيهود باراك، وزير الدفاع، وزعيم حزب laquo;العملraquo;، الذي استطاع تحسين وضع حزبه قبل ستة أسابيع من موعد الانتخابات العامة بفضل العدوان على غزة.
غزة إلى أين؟ حتى لو صمدت laquo;حماسraquo; إلى النهاية، أي حتى آخر فلسطيني في القطاع، ستحتاج إلى تقديم مشروع سياسي ما يقبل به المجتمع الدولي أولاً. مثل هذا الصمود ستعتبره الحركة انتصاراً كبيراً، لكنها لن تكون قادرة على إعطائه أي بعد كان من دون تحديد ما الذي تريده. تستطيع رفع شعار تحرير فلسطين من البحر إلى النهر إلى ما لا نهاية... مثل هذه الشعارات لا تخدم سوى استمرار العدوان. هل هذا ما تريده laquo;حماسraquo; في غياب المشروع السياسي الواقعي الذي يمثل أملاً للشعب الفلسطيني؟ هذا المشروع في متناول اليد. لماذا لا تعيد القمة تأكيده لكل من يعنيه الأمر، بما في ذلك لحركة مثل laquo;حماسraquo;؟