أحمد أميري

انطلقت موضة quot;تشهيدquot; الناس في أواخر سبعينيات القرن الماضي في دولة إسلامية، فبعد أن غسل رئيس محكمتها الثورية يديه الملطخة بدماء آلاف الناس الذين كان يبعثهم إلى ساحات الإعدام بجرة قلم، سُئل إنْ كان يعتقد بوجود مظلومين أعدموا بسبب تعجلّه في quot;تطهيرquot; البلاد، فأطلق الموضة حين قال: من كان مظلوماً وأعدم فقد عجّلنا دخوله الجنة!
بعد عمليات quot;القاعدةquot; في تفجير السفارات والمقرات الحكومية في أكثر من مدينة إسلامية كنيروبي ودار السلام والرياض وجدة وإسلام آباد وغيرها، وتناقل وكالات الأنباء خبر القتلى والجرحى، كان أسامة بن لادن يكتشف، أو بالأحرى لا يكتشف لأنه يعرف منذ البداية، أن غالبية القتلى والجرحى هم من المسلمين الذين ساقهم سوء الحظ إلى ذلك المكان، سواء مروراً على أقدامهم، أو لإنهاء معاملة، أو بحثاً عن وظيفة يسترزقون ويطعمون عيالهم الخبز منها، فكان يسند ظهره إلى جدار جحره البعيد ويزف الخبر السعيد: نحتسب القتلى من المسلمين شهداء، ثم يضيف: ولا نزكي على الله أحداً.
وردّت الموضة إلى أهلها حين تأسّف quot;حسن حزب اللهquot; لذوي quot;عرب إسرائيلquot;، الذين قضوا بصواريخ الحزب أثناء حرب الـ 33 يوماً، وأضاف لا فض فوه: نحتسبهم عند الله شهداء... وانتهت المشكلة.
وفي العراق، quot;صرّحquot; وزير الزراعة في quot;دولة العراق الإسلاميةquot; التي لا وجود لها إلا في خيال مرضى quot;القاعدةquot; النفسيين، وهو المسؤول عن تجنيد النساء في محافظة ديالى لزرع الأحزمة الناسفة في أجسادهن لتفجيرها بين الناس في الأسواق، أو على مائدة إفطار، أو في طابور العاطلين عن العمل، صرّح بأنه طلب من زوجته، حرم الوزير quot;السيدة رانيا العنبكيquot;، التي جهّزها بنفسه لعملية انتحارية، بأن تختاره زوجاً لها في الجنة عندما تنفذ عمليتها الانتحارية! وبالتأكيد فإنه لا يقول هذا الكلام، إلا لأنه حجز لها مكاناً هناك، وبالطبع حجز لنفسه قبلها.
ولم يتخلف قادة quot;حماسquot; عن هذه الموضة، فركبوها أو ركّبوها على أهل غزة الذين يقتلون الآن على يد الجزار الإسرائيلي، بكلام إنشائي لا يفيد إلا بقدر ما تفيد صواريخ quot;التنكquot; التي quot;ينتج عنها إصابات أقل بكثير مما يحدث في حادث مرورquot; كما يقول أحدهم، والتي لم تقتل سوى 12 إسرائيلياً خلال 12 عاماً.
ففي أول رد فعل لإسماعيل هنية على العدوان الإسرائيلي قال، من مكان مجهول وآمن بالطبع، إن الهجمات لن تجعل حركته تتراجع quot;حتى لو أبادت إسرائيل غزةquot;، وربما يعتبر هنية العدوان إنجازاً من إنجازات حركته، فقد زادت قوائم الشهداء.
وفي اليوم السابع من العدوان قال خالد مشعل من مقره الآمن في دمشق بأن الحركة quot;لم تخسر إلا القليل القليل جداًquot;، ولا يهم أن الأهالي خسروا الكثير الكثير جداً، وأن إسرائيل هدفت quot;إلى الترويع بالصدمة.. وكانت الصدمة أن غزة امتصت الصدمةquot;، أي امتص الأبرياء والأطفال القنابل والرصاص وزاد عدد المقابر. يشترك هؤلاء في أنهم quot;يُشهّدونquot; الناس رغماً عن أنوفهم، ولا عزاء لزوجاتهم وأبنائهم ولا إلى مستقبل أيامهم، فآخر ما يفكرون فيه هو الإنسان، الذي لا وزن له في موازينهم، بل إنهم يرون قيمته الحقيقية في استشهاده، حتى لو لم يطلب هو ذلك.