علي الخليلي
منذ نشأتها، وعلى مدار الصراع المستمر معها، جيلاً بعد جيل، اعتادت ldquo;إسرائيلrdquo; أن ترتكب المجازر المروعة بحق المدنيين الفلسطينيين والعرب، من دون أن تكترث لأي رأي عام، ومن دون أن تتوقف لحظة واحدة أمام مواثيق ومبادئ حقوق الإنسان، ومن دون أن تجد، وهو الأهم، من يدفع بها رغم أنفها، إلى المحاكم الدولية التي تدينها بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ثم تحوّل هذه الإدانة إلى عقوبات جدية ومنفذة على حكامها وجنرالاتها.
وفي عدوانها الحالي الواسع والمدمر على قطاع غزة، تكرر هذه ldquo;العادةrdquo; الجهنمية بقتلها وإبادتها للأطفال والنساء والشيوخ، في المنازل والمدارس والمستشفيات وحتى في ساحات اللجوء والهروب من مرمى القصف إلى بعض الأماكن المفترض بها أن تكون آمنة، والتي تدكها جميعها، ومن دون أدنى استثناء، بحمم الطائرات والدبابات على كل من فيها، مطمئنة إلى أن العالم المعتاد هو الآخر على سيرتها الإجرامية غير الخاضعة للمساءلة والمحاكمة الفعلية من جانبه، سوف يبقى على حاله التقليدي في قبول هذه السيرة، مرحلة إثر أخرى، باعتبارها سمة عادية من سمات ldquo;إسرائيلrdquo; ذات الدلال الخاص والقادر بخصوصيته الأمريكية - الأوروبية، على تجاوز كل القوانين والمواثيق والمبادئ.
وليس بالصدفة على ذلك، أن يتغنى ساسة وجنرالات ldquo;إسرائيلrdquo; بهذه الجرائم، وهم يرون فيها ما يسمونه ldquo;قوة الردعrdquo; من جانب قواتهم العسكرية لأي طرف يقف في وجهها. وليس بالصدفة أيضاً، في السياق نفسه، وبناء على هذه الرؤية العدوانية والعنصرية، أن تقلب ldquo;إسرائيلrdquo; الحقائق رأساً على عقب، فترى بالمقاومة الشرعية لاحتلالها واستيطانها وجرائمها المتلاحقة، إرهاباً لا بد للعالم كله من إدانته وسحقه.
والأنكى أن يرى العالم، إلا القليل والمهمش منه، هذه الرؤية ldquo;الإسرائيليةrdquo; ذاتها، فينقلب الجلاد الواضح بكل جبروته المزلزل، والمتحفز لمزيد من القتل والإبادة، على مدار الساعة، إلى ضحية تستدر العطف والرثاء، وتختنق الضحية الحقيقية تحت الأنقاض والأشلاء الممزقة.
لا بد من تغيير هذه المعادلة. وإذا كان الهدف المباشر والملحّ في هذه الأيام، هو وقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة وفتح المعابر منه وإليه، فإن التواصل مع هدف هذا التغيير يبقى هو الأساس، حتى لا تبقى ldquo;إسرائيلrdquo; فوق القانون، وحتى لا يفلت كل من تورط من ساستها ومن عسكرييها في ارتكاب المجازر، من العقاب.
من المؤلم أننا، عرباً وفلسطينيين على حد سواء، ابتعدنا كثيراً عن مجال هذا الهدف، ولعلنا لم نر فيه أصلاً، ما يمكن لنا أن ننجز من خلاله، أفعالاً مجدية ومؤثرة على الأرض. ولعلنا، وهو الأصح في قياس ذهنية خطابنا المدوي، وشعاراتنا الطنانة، كنا ولا نزال، لا نجرؤ على فهم معنى الضحية - والتي هي نحن- أو نكتم هذا المعنى، ونصرّ على الفهم العنتري، من باب الفخر حيناً، ومن باب الخوف على معنوياتنا حيناً آخر، غير مدركين أن دوي الخطاب وطنين الشعارات والتكتم على نداء الضحية، هو ما يهز هذه المعنويات، ويصل بها إلى عكسها تماماً.
الآن، في محرقة قطاع غزة، هل نشهد صحوة لهذا الهدف، فنرفع الضحية التي هي نحن، إلى منصة القضاة، في مواجهة القتلة والجلادين؟
إذا تحققت هذه الصحوة، لن يستطيع العالم أن يبقى على حاله القديم. ولن تستطيع ldquo;إسرائيلrdquo; الاستمرار في عادتها الإجرامية.
ولكن، ومع كل الإشارات المهمة التي بدأت بالبروز في هذا المجال، نخشى أن تضمحل الصحوة عند بدء سريان وقف إطلاق النار، فنحسب أن ما مضى قد مضى، وأن علينا الالتفات للقادم، وأن المجازر مطوية في التاريخ.
التعليقات