جيفري كمب

لم يكن من الوارد أبداً أن يجد الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما الأمر سهلاً، فيما يتعلق بالوفاء بالتوقعات الكبيرة التي تلت فوزه في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الرابع من نوفمبر 2008.

فبعد حفل التنصيب الرسمي لأوباما في العشرين من يناير الجاري، والذي لا يفصلنا عنه سوى أقل من أسبوعين، والذي ستجد واشنطن نفسها فيه مقصداً لملايين البشر، الذين سيتوافدون عليها للاحتفال بهذه المناسبة التاريخية، سيجد الرئيس الأميركي الجديد نفسه وفي اليوم التالي مباشرة لهذا اليوم جالسا في مكتبه بالبيت الأبيض، ومطالباً بالتصدي لتحديات بالغة الخطورة، لم يسبق لرئيس أميركي جديد أن واجهها، منذ أن تولى فرانكلين روزفلت الحكم عام 1933.

والأولوية القصوى للإدارة الجديدة هي إطلاق عجلة الاقتصاد الأميركي العليل، من خلال تنفيذ سلسلة من البرامج الجذرية الجديدة، الهادفة لخلق المزيد من الوظائف، وإبطاء وتيرة عمليات الحجز على الرهونات العقارية، وعكس تيار الهبوط الحاد في الإنتاجية والنمو الاقتصادي.. وهي كلها برامج سوف تتطلب ضخ مقادير هائلة من المساعدات الفيدرالية من أجل إنجازها. وإذا ما وضعنا في الحسبان حجم الأموال المطلوبة لتنفيذ هذه البرامج، فإننا سندرك أنه سيتعين على quot;الجمهوريينquot; في الكونجرس أن يكونوا شركاء حقيقيين لـquot;الديمقراطيينquot; إذا ما كانوا يريدون منح هذا البرنامج أي فرصة للنجاح. في الآن ذاته، سوف يكون أوباما بحاجة إلى تسريع عملية اختيار الشخصيات، التي ستشغل الوظائف الرئيسية في إدارته حتى يصبح من الممكن تعيين الأطقم التابعة لهم، والتي ستشغل الوظائف الإدارية في الوزارات، وخصوصا الرئيسية منها. ومن الواضح في هذا السياق أن التثبيت المبكر لكل منquot; تيموثي جيثنرquot; في منصب وزير الخزانة، وهيلاري كلينتون في منصب وزيرة الخارجية، سيكون على رأس أولويات أوباما بعد تولي منصبه رسمياً.
ويشار هنا إلى أن أجندة quot;هيلاريquot; في الشرق الأوسط، كانت مقلقة بما يكفي قبل إندلاع العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين في قطاع غزة، والذي يعتقد على نطاق واسع أنه سيمثل اختباراً مبكرا لسياسة إدارة أوباما في تلك المنطقة الحيوية من العالم، وسيحدد ماإذا كانت هذه السياسة مختلفة بصورة ملحوظة عن سياسات وفلسفه سلفه جورج بوش أم لا. منذ انتخابه في نوفمبر الماضي، التزم أوباما الصمت التام بشأن أفكاره المتعلقة بحل المشكلة الفلسطينية، لأنه يعتقد أنه طالما لا يزال جورج بوش رئيساً، فإن الواجب يحتم عليه عدم توجيه أي انتقاد إليه خصوصا في المسائل المتعلقة بالأمن القومي. وهناك مشكلة أخرى في هذا السياق، وهي أنه حتى يحين الوقت الذي يتم فيه تثبيت هيلاري رسمياً في منصبها، فإن مسألة اختيار فريقها المفضل من المساعدين ستظل معلقة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن بعض الأسماء التي ذُكر بشكل غير رسمي أنها ستشغل مناصب كبرى في الخارجية مثل دينس روس، ومارتن إنديك، سبق لها الخدمة في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق quot;بيل كلينتونquot; عندما عملت في وظائف تتعلق بمعالجة مشكلات مشابهة تماما لتلك التي سيواجهونها إذا ما تم اختيارهم وتثبيتهم في مناصبهم فعلياً. وإذا ما تذكرنا هنا أن الجهود المكثفة التي بذلها الرئيس بيل كلينتون في التوسط من أجل التوصل إلى سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين لم تكن ناجحة، وأن الفجوة بين موقفي الطرفين المتنازعين قد تباعدت كثيراً منذ ذلك الحين، فإننا سندرك مدى جسامة المهمة التي تنتظر فريق أوباما في هذا الشأن. فعندما كان بيل كلينتون مشغولا في محاولة التفاوض من أجل إيجاد صفقة في كمب ديفيد في صيف عام2000، كان الفلسطينيون موحدين تحت قيادة ياسر عرفات، أما اليوم فهم منقسمون بسبب الصراع السياسي والعسكري المرير بين حركة quot;فتحquot; التي يتزعمها محمود عباس في الضفة الغربية، والتي تتفاوض علناً مع إسرائيل، وبين حركة quot;حماسquot; التي تسيطر على قطاع غزة، وترفض الاعتراف بإسرائيل. بصرف النظر عن النتيجة المباشرة للقتال الحالي في غزة، فإن الأمر المؤكد هو أنه لن يكون هناك سلام قبل أن يتوصل الفلسطينيون إلى نظام فعال لاختيار قيادة تمثل الأراضي المحتلة كلها، وقبل أن تظهر نتائج الانتخابات العامة التي ستجري الشهر القادم في إسرائيل. لذلك قد لا يكون من المنطقي توقع تحقيق أي تقدم يتجاوز وقف إطلاق النار في غزة، قبل أن يتم ذلك، وقبل أن يتم تثبيت فريق أوباما. فعندها فقط سوف يغدو واضحاً ما إذا كانت المبادرات الأميركية، والعربية وربما الأوروبية، تتمتع فعلاً بأي قوة ضغط تمكنها من وضع نهاية لدوامة العنف التي تعصف بالمنطقة أم لا.

إن حل الصراع العربي الإسرائيلي هو أحد مفاتيح تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، ولكنه ليس أهمها. فمستقبل العراق، والتحدي الذي تمثله إيران، سيظلان أيضاً أولويتين رئيسيتين لأوباما، كما أن أهمية أزمة الشرق الأوسط برمتها يمكن أن تتضاءل إذا ما تصاعد الصراع في المثلث الأفغاني، الباكستاني، الهندي.

يضاف إلى ذلك أيضا أن إدارة أوباما ستكون مطالبة بمواجهة بعض المشكلات الأخرى، مثل مشكلة القرن الأفريقي، وتأثير الأزمة الاقتصادية على السياسة والاقتصاد الأميركيين. وعما قريب سيتضح لنا ما إذا كانت هيلاري كلينتون تمتلك بالفعل القدرات التي تمكنها من القيام بواجبات منصبها على النحو المطلوب، وتقديم الدعم الذي يحتاجه أوباما، حتى يتمكن من التركيز على الأجندة الاقتصادية التي تعتبرـ في المدى الطويل ـ مفتاحا من مفاتيح استمرار قوة أميركا، ونفوذها على الساحة العالمية.