محمد الرميحي

في لقائه مع الصحافة مساء أمس أكد صاحب السمو أمير البلاد أن القمة التي دعت إليها الكويت ومصر، سيكون على رأس موضوعاتها ما يحدث في غزة، إذ لا يمكن لعاقل إلا أن يعي أن اجتماع قمة -بينما آلة القتل الإسرائيلية تفعل فعلها في أجساد الإخوة في غزة أو في غيرها- لا بد أن يبحث في هذا الأمر، الذي هو شأن عربي ذو أولوية قصوى، هكذا قال سمو الأمير.

وبدورنا نقول إن الدعوات العاجلة لقمة عربية قبل القمة المقررة لا يسعفها الوقت وتبدو للاستهلاك ولتشطير الأمة وفرقتها وليس حبّاً بها.

وكما تفعل فيفي عبده وسط القاهرة بحرق العلم الإسرائيلي، يسعى بعض السياسيين على مستويات مختلفة من أجل التكسب السياسي في لحظة ضعفهم الكاشفة.

الهجوم على مصر، التي قدمت للقضية الفلسطينية دماء أبنائها وماتزال تقدم الكثير، وتحشيد جمهور مغرَّر به باتجاه سفاراتها في الخارج، هو استهتار بعقول الناس أولاً، ومسعى لتحقيق أغراض إقليمية مشبوهة ثانياً.

كنت في القاهرة الأسبوع الماضي، ووجدت الألم الحقيقي لدى عدد من المسؤولين المصريين، فضلا عن الشارع المصري. قال لي أحد هؤلاء المسؤولين: لو كنا نريد قطع حبل السرة مع غزة وحرمان حماس من التنفس، لكان بإمكاننا ذلك في طرفة عين، حيث إن الأنفاق بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية كانت سبيلاً لأشياء تعبر تحت أبصار السلطة المصرية.

كيف يمكن لعاقل أن يصدق أن حشد كل تلك المظاهرات ضد سفارات مصر لا تقف خلفه محاولة لتزييف الوعي السياسي للناس وأخذ الجمهور إلى مكان بعيد، بهدف صرف النظر عن الحدث نفسه وأحداث أخرى قد تكون مقبلة، وهي تماثل محاولات عقد قمة عربية طارئة لا يفصلها عن قمة مقررة إلا يومان أو ثلاثة.

على الصعيد المحلي نجد أيضا أن البعض يحاول التصعيد السياسي، فيقرر من يُدعى إلى القمة ومن

لا يُدعى، ضارباً بقواعد وأصول مرعية وعلاقات دولية عرض الحائط، وقافزا على نصوص مقررة في الدستور بأن هذا العمل (الدعوة) من صلب عمل الجهاز التنفيذي.

يصب هذا التصعيد في الخارج أو الداخل، إن أحسنّا النية، في تيار الجهل بالعمل السياسي والعلاقات بين الدول، وإن أردنا تفسيرا آخر فهو يصب بكل تأكيد في أجندة إقليمية تريد الاستفادة من حريق غزة ومن لحم إخوتنا المحترق هناك، لتسجيل نصر كلامي، مع الأسف، على حساب دم الفلسطينيين المهدور وأرواحهم المزهَقة، كل ذلك لتحقيق أهداف تخدم مصالحهم، ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بمصالح الشعب الفلسطيني.

إنها لحظة كاشفة في العمل السياسي العربي والمحلي،

لا بد من الإضاءة حولها، حيث تُلقى التهم على من يعمل لصالح القضية. فالكويت، كما المملكة العربية السعودية، كانت ولاتزال وستظل بسبب وعي قيادتها من أكثر المتحمسين لتحقيق الأمل الفلسطيني، فهي لم تهادن ولم تفتح مكاتب اتصال مع الآخرين، علناً أو من وراء حجاب، في الوقت الذي يقوم من عمل ذلك بـlaquo;الرقع بالصوت العاليraquo; لإغاثة قضية هو أحد أسباب إهانتها.

وينجرف البعض عندنا مع الأسف من دون حساب لمصالح وطنية عليا، وراء المزايدة على الموقف المبدئي الذي وقفته الكويت دون منّة.

إن مثل هذه الحسابات الضيقة وهذا التكسب السياسي لم ينفع القضية في ثلاثة أرباع القرن المنصرم، ولن ينفعها اليوم غير العمل الجاد على وقف النزيف، وقمة الكويت هي التي من الممكن أن تقوم بذلك.