راجح الخوري


ذكرت الأنباء أمس ان الامين العام للامم المتحدة بان كي ndash; مون اصيب بـquot;غضب شديدquot; بسبب القصف الاسرائيلي لمقر الاونروا في غزة. وانه اعرب عن احتجاجه وطالب تل ابيب بتقديم تفسير كامل!
هذا الخبر يضاعف مرارة السخرية مرتين على الاقل:
اولا، لان الغضب الشديد والاحتجاج الاشد، يجب ان يكونا عنوانا اساسيا لكل تحرك او كلام يقال الآن او منذ ثلاثة اسابيع تقريبا، لان المذبحة الاسرائيلية البربرية ضد اهالي غزة من تصعيد الى تصعيد. وهذا ما يغرق الشرعية الدولية لا بل العالم كله في العار.
ثانيا، لان قصف مقر الاونروا لا يقل وحشية عن قصف المدارس وبيوت المواطنين، حيث يتفرج العالم منذ عشرين يوما تقريبا على جثث الاطفال التي مزقتها القذائف. ولا بد من ان يكون الامين العام قد شاهدها مرارا لكنه لم يعرب عن غضبه الشديد واحتجاجه الاشد ومطالبته اسرائيل بالتوضيح والاعتذار، فماذا يفيد القتيل الآن من اعتذار القاتل؟
واخيرا، لان من الصعب على المرء ان يعاين ملامح الغضب على وجه سعادة الامين العام الذي حباه الله بوجه مبتسم حتى في ساعات الغضب الشديد، وهو غضب من الصعب ان نقول انه بانَ عل وجه بان.
أهم من كل هذا التفصيل المؤلم، يعرف الامين العام بالتأكيد ان ما يجري في غزة من محرقة همجية ضد المواطنين، انما يهدد الامن في المنطقة كلها ويعرّض كل ما بذلته الاسرة الدولية من المساعي السلمية للانهيار، وهذا بالتالي يشكل تهديدا صريحا للامن والسلم على المستوى العالمي.
كذلك لا يخفى على بان كي ndash; مون ان المجزرة في غزة، وما تسببه من هياج في الرأي العام في المنطقة والعالم، وهو ما شهدته بالطبع مقار الامم المتحدة في عشرات العواصم، وكذلك الانقسامات المتأججة بين الفلسطينيين انفسهم، وبين العرب، يعرف ان كل هذا يعرّض ايضا الاستقرار في المنطقة للفوضى ويشرع الابواب على احتمالات عاصفة من شأنها ان تهدد تهديدا خطيرا الامن والسلم في المنطقة والعالم.
ويعرف بان كي ndash; مون ان مجلس الامن سبق ان اتخذ القرار 1860 الذي دعا الى وقف النار فورا وقد رفضته اسرائيل ومضت في تنفيذ المحرقة التي تحدثت عنها صراحة.
كما يعرف بالتأكيد صلاحياته، وخصوصا تلك المنصوص عليها في المادة 99 من نظام مجلس الامن، والتي تقول صراحة ان للامين العام ان ينبه مجلس الامن الى اي مسألة تهدد الامن والسلم العالميين، والتي ترتبط في حيثياتها بمحتوى المادتين 34 و35 من هذا النظام.
فلماذا لا يضيف بان كي ndash; مون الى غضبه الشديد تنبيها على شكل دعوة مجلس الامن الى الانعقاد مجددا لايجاد السبل الكفيلة بتنفيذ القرار 1860، الذي يستطيع ان يوقف النار إذا حظي بما يكفي من الجدية والحزم حتى ولو اقتضى الامر التلويح بوضعه تحت الفصل السابع. واذذاك يستطيع ايهود اولمرت لا ان يقاطع خطاب جورج بوش طالبا عرقلة القرار 1860 كما قيل، بل يستطيع ايضا ان يطلق عليه صاروخا كالذي يطلقه على اطفال غزة.
ثم اذا كانت فصول المذبحة مستمرة وسط الخلافات العربية على القمم، وهو ما يزيد من عمق الجروح والمآسي، فان في وسع اي وزير خارجية عربي، او اي سفير في الامم المتحدة، ان يقرأ نص المادتين 34 و35 من نظام مجلس الامن، حيث تعطي المادة الاولى المجلس حق النظر في اي نزاع او اي موقف يهدد السلم العالمي، بينما تعطي المادة 35 الحق لأي دولة عضو في مجلس الامن ان تدعوه الى الانعقاد للاسباب المشار اليها، وليبيا التي تمثل المجموعة العربية لا تقصّر في مثل هذا الامر.
وليس خافيا، ان كل ما يمكن ان تفعله القمم، طارئة او غير طارئة، انها ستعود الى المطالبة بوقف النار وبدعوة الشرعية الدولية الى تحمل مسؤولياتها الاخلاقية حيال المذبحة البربرية في غزة.
اما ما عدا ذلك من اجراءات وقرع طبول، فليس اكثر من محاولات لتأجيج التراشق بالإحراج واثارة غضب الرأي العام من بعض الانظمة، وهو ما تتعمد ان تمضي فيه انظمة ساحقة للرأي العام او مقولبة له وفق الحاجة والطلب.
الغضب الشديد، يا سعادة الامين العام، يستدعي تحريك الشرعية الدولية فعليا لوقف حمام الدم وانهاء المحرقة التي ما ان اشعلتها اسرائيل حتى سارع البعض، من عرب وعجم الى المراهنة على جعل ألسنتها تلتهم الاعتدال والمعتدلين، وتسقط الانظمة هنا وهناك، من منطلق الرهان على انها معركة تقرر مستقبل المنطقة لا مصير غزة والقضية الفلسطينية فحسب.