غزة، القاهرة، واشنطن - هاني زايد، quot; الوطن quot;

استمرت إسرائيل أمس في حرق البشر والحجر متجاهلة نداءات الأمين العام للأمم المتحدة وأصواتاً عربية وأوروبية عديدة تطالب بوقف العدوان الغاشم على قطاع غزة. وكالمعتاد على مدار أكثر من ثلاثة أسابيع ارتفع عدد الشهداء مسجلا أكثر من 1150 شهيداً وقتلت القوات الإسرائيلية أمس أماً فلسطينية وأبناءها الخمسة في غارة جوية على مخيم البريج، كما قتل 10 آخرين في تجمع للعزاء بالشجاعية.
وكشف أمس عن رسالة بعثها مردخاي إلياهو المرجعية الدينية الأولى في إسرائيل إلى رئيس الوزراء إيهود أولمرت يحفزه فيها على استمرار العقاب الجماعي للفلسطينيين تطبيقاً لنصوص التوراة التي تنص على قتل الرجال والأطفال وحتى الرضع والنساء والعجائز وسحق البهائم.

لم يكن ما يجري بغزة من مذابح بمعزل عن فتاوى حاخامات صهيون والذين تباروا في مباركة المجازر مانحين إياها غطاءً توراتياً وكأنهمquot; يباركون مذابح ومجازر غزة باسم الربquot;.
فقد بعثquot; مردخاي إلياهوquot;- الذي يعتبر المرجعية الدينية الأولى للتيار الديني القومي في إسرائيل والذي شغل في الماضي منصب الحاخام الشرقي الأكبر لإسرائيل- برسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت وكل قادة إسرائيل- ضمن نشرةquot; عالم صغيرquot; وهي عبارة عن كتيب أسبوعي يتم توزيعه في المعابد اليهودية كل يوم جمعة، ذكر فيها قصة المجزرة التي تعرض لها شكيم ابن حمور والتي وردت في سفر التكوين وتحديداً في الآيات ما بينquot; 9 وحتى 14quot; من الإصحاحquot; 34quot; كدليل على النصوص التوراتية التي تبيح لليهود فكرة العقاب الجماعي لأعدائهم وفقا لأخلاقيات الحرب، حيث كتب إلياهو بأنهquot; طبقاً لما ورد في التوراة فإن مدينة بأكملها تحملت المسؤولية الجماعية عن السلوك غير الأخلاقي لأحد من أفرادهاquot;.
وأضاف الحاخام الأكبر أن quot;هذا المعيار نفسه يمكن تطبيقه على ما حدث في غزة حيث يتحمل جميع سكانها المسؤولية لأنهم لم يفعلوا شيئاً من شأنه وقف إطلاق صواريخ القسامquot;. ودعا مردخاي رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى مواصلة شن الحملة العسكرية على غزة معتبرا أنquot; المس بالمواطنين الفلسطينيين الأبرياء أمر شرعيquot;. واستند مردخاي إلى قول تاريخي منسوب للملك داود دعا فيه لملاحقة الأعداء وعدم العودة قبل قتلهم. وقال الحاخام الإسرائيلي إنquot; أقوال الملك داود تستبطن تصريحا لقادة إسرائيل بعدم إبداء الرحمة تجاه من يستهدف المدنيين لدينا بواسطة إطلاق صواريخ من داخل مناطق مأهولة بالسكان. وتمادى الحاخام في رسالته التي وجهها إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت قائلاًquot; إنه في الوقت الذي يمكن فيه إلحاق العقاب الجماعي بسكان غزة عقاباً على أخطاء الأفراد فإنه محرم تعريض حياة اليهود في سديروت أو حياة جنود الجيش الإسرائيلي للخطر خوفا من إصابة أو قتل غير المقاتلين الفلسطينيين الذين يعيشون في غزةquot;.
أماquot; الحاخام شلوموا إلياهو وهو الحاخام الأكبر لمدينة صفد ونجل الحاخام مردخاي إلياهو- فقد كشف ما هو أبعد من ذلك مشيراً إلى أنquot; والده عارض توغل قوات برية إسرائيلية إلى قطاع غزة على اعتبار أن ذلك من شأنه أن يشكل خطرا على جنود الجيش الإسرائيليquot;.
وأضاف إلياهوquot; الابنquot; قائلاًquot; لقد دعا بدلا من ذلك إلى قصف المنطقة التي أطلقت منها صواريخ القسام بغض النظر عن الثمن فيما يتعلق بحياة الفلسطينيينquot;.
وأضاف قائلاًquot;إذا قتلنا 100 دون أن يتوقفوا عن ذلك فلا بد أن نقتل منهم ألفاً، وإذا قتلنا منهم 1000 دون أن يتوقفوا فلنقتل منهم 10 آلاف. وعلينا أن نستمر في قتلهم حتى لو بلغ عدد قتلاهم مليون قتيل، وأن نستمر في القتل مهما استغرق ذلك من وقتquot;.
وأضاف إلياهو قائلاًquot; المزامير تقول:سوف أواصل مطاردة أعدائي والقبض عليهم ولن أتوقف حتى القضاء عليهمquot;.
أما مردخاي إلياهو فقد كتب في رسالته يقولquot; هذه رسالة إلى جميع قادة الشعب اليهودي، لا تكونوا رحماء مع أولئك الذين يطلقون النار والصواريخ على المدنيين في منازلهمquot;.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث نشرت صحيفة quot;هآرتسquot; فتوى لعدد من حاخامات اليهود في إسرائيل أفتوا فيها بأنهquot; يتوجب على اليهود تطبيق حكم التوراة الذي نزل في قوم عملاق على الفلسطينيينquot;.
ونقلت الصحيفة عن الحاخامquot; يسرائيل روزينquot;- رئيس معهد تسوميت وأحد أهم مرجعيات الإفتاء اليهود- فتواه التي سبق أن أصدرها في السادس والعشرين من مارس من العام الماضي بأنهquot; يتوجب تطبيق حكم عملاق على كل من تعتمل كراهية إسرائيل في نفسهquot;.
وأضاف روزين بأنquot; حكم التوراة ينص على قتل الرجال والأطفال وحتى الرضع والنساء والعجائز، وحتى سحق البهائمquot; مشيراً إلى أنquot; قوم عملاق كانوا يعيشون في أرض فلسطين وكانت تحركاتهم تصل حتى حدود مصر الشمالية، لكن العماليق شنوا هجمات على مؤخرة قوافل بني إسرائيل بقيادة النبي موسى عليه السلام عندما خرجوا من مصر واتجهوا نحو فلسطينquot;.
ويضيف روزين قائلاًquot; لقد كلف الرب بني إسرائيل بعد ذلك بشن حرب لا هوادة فيها ضد العماليقquot; مستدلاً بالحكم الذي يقولquot; اقضوا على العماليق من البداية حتى النهاية.. اقتلوهم وجردوهم من ممتلكاتهم، لا تأخذكم بهم رأفة، فليكن القتل متواصلا شخصا يتبعه شخص، لا تتركوا طفلا، ولا تتركوا زرعاً أو شجراً، اقتلوا بهائمهم من الجمل حتى الحمارquot;.
وحسب التراث اليهودي فقد كان يهوشع بن نون هو أول من طبق هذا الحكم عندما انتصر على العماليق، فدمر مدينتهم أريحا على من فيها. ويضيف روزين في فتواه بأنquot; العملاق لا ينحصر في عرق أو دين محدد، بل يشمل كل من يكره اليهود لدوافع دينية أو قوميةquot;.
ويصل روزين إلى حد القولquot; عملاق سيبقى ما بقي اليهود، ففي كل عهد سيخرج عملاق من عرق آخر لمناصبة اليهود العداء، لذا يجب أن تكون الحرب ضده عالميةquot;.
وشدد روزين في فتواه على أنquot; تطبيق حكم العماليق يجب أن يقوم به اليهود في كل وقت وزمان لأنه تكليف إلهي ولا أن نضع في اعتبارنا مواقف دول العالم quot; مضيفاً بالقولquot; علينا أن ننفذ أحكام الرب، وأن نتوقف عن الاختفاء في ظل أسرة شعوب العالم، وحتى عندما يكون تطبيق هذه الفريضة ثقيلا وصعبا، فإننا مطالبون بتطبيقها دائماquot;.
ويضيف روزين بأنquot; عملاق هذا العصر هم الفلسطينيون، من يقتل الطلاب وهم يتلون التوراة، ويطلق الصواريخ على مدينة سديروت فيثير الفزع في نفوس الرجال والنساء، من يرقص على الدماء، هو عملاق، ويجب أن نرد عليه بكراهية مضادة، وعلينا أن ننزع أي أثر للإنسانية في تعاملنا معه حتى ننتصرquot;.
وحسب ما ذكرته جريدة هآرتس فإنquot; الحاخام روزين لم يكن الحاخام الوحيد الذي يؤيد تطبيق حكم العماليق في الفلسطينيينquot;. حيث أشارت الصحيفة إلى أنquot; الحاخام مردخاي إلياهو يؤيد تطبيق الحكمquot; مضيفة بأنهquot; يستدل على ذلك بإحدى العبارات التي وردت في الحكم والتي تقول، أذكر عدوك وأبدهquot;.
وأضافت الصحيفة بأنquot; الحاخام شلوموا إلياهو أيد الحكم، بل وكتب مقالاً أيد فيهquot; تطبيق حكم العماليقquot; حيث قال بأنهquot; لا توجد أي مشكلة أخلاقية في سحق الأشرارquot;.
أما الحاخام دوف ليئور- رئيس مجلس حاخامات المستوطنات في الضفة الغربية- فقد أيد تطبيق الفتوى ضد الفلسطينيين قائلاًquot; كل من يريد تدمير إسرائيل، يتوجب تطبيق حكم عملاق فيهquot;. كما أيدquot; الحاخام أوري لبيانسكيquot;- رئيس المجلس البلدي اليهودي في القدس المحتلة- فقد أيد تطبيق حكم العماليق في الفلسطينيين مشيراً إلى أنهquot; يستذكر في هذه اللحظة اللحظات التي سبقت صدور حكم التوراة في العماليقquot;.
ومن فتوى العماليق إلى فتوى أخرى أصدرها الحاخامات في مؤسسةquot; حاخامات أرض إسرائيلquot; والتي تسمح للجيش الإسرائيلي بقصف مناطق سكنية في قطاع غزةquot; مشيرين إلى أنهquot; على الجيش قصف المناطق التي تطلق منها الصواريخ في غزة ولكن بعد أن يمهل الجيش سكانها وقتا للإخلاءquot;. ومن بين الحاخامات الذين صادقوا على الفتوى حاخام مستوطنة عوفاديا يوسف الزعيم الروحي والحاخام الأكبر لحزب شاس الديني المتشدد. فيما أفتى الحاخامquot; آفي رونتسكي بأنquot; أحكام التوراة تبيح قصف البيوت الفلسطينية من الجو على من فيها، ولا يجب الاكتفاء بقصف مناطق إطلاق الصواريخ فالواقع يلزم بضبط الناشطين وهم في فراشهم وفي بيوتهمquot;.
ولم يتوقف المر عند هذا الحد حيث أصدر الحاخام إلياهو كينفينسكي- ثاني أكبر المرجعيات الدينية الحريدية في إسرائيل- فتوى تحظر تشغيل العرب وخصوصا في المدارس الدينيةquot; معللاً ذلك بأنquot; هذه الفتوى جاءت من أجل الدفاع عن النفس وتقليص قدرة العرب على المس باليهودquot;.
وجاءت فتوى كينفينسكي في أعقاب الفتوى التي أصدرها الحاخام داف ليئور- رئيس مجلس حاخامات المستوطنات في الضفة- والتي حظر فيهاquot; تشغيل العرب وتأجيرهم شققا سكنية في أحياء اليهودquot;.
ومما يزيد من خطورة تلك الفتاوى أنها تجد لها صدى واسعاً بين الإسرائيليين وخاصة من يصفون أنفسهم بالمتدينين حيث أشارت دراسة صادرة عن قسم العلوم الاجتماعية بجامعة بار إيلون إلى أنquot; أكثر من 90% ممن يصفون أنفسهم بأنهم متدينون يرون أنه لو تعارضت الخطوات التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية مع رأي الحاخامات فإن الأولى تطبيق رأي الحاخاماتquot;.
ويزداد الأمر بالنسبة لتباع التيار الديني الصهيوني والذين تشير تقارير الجيش إلى أنهمquot; يمثلون أكثر من 50% من ضباط الجيش الإسرائيلي وأكثر من 60% من قادة الوحدات الخاصةquot;.
وتشير الأرقام الصادرة في الدراسة إلى أنquot; أكثر من 95% من الجنود المتدينين أكدوا أنهم لا يمكنهم الانصياع لأوامر عسكرية تصدر لهم دون أن تكون متسقة مع الفتاوى الدينية التي يصدرها الحاخامات والسلطات الدينيةquot;.
وهو ما يعلق عليه واصل طه- عضو الكنيست عن حزب التجمع الديموقراطي العربي والذي يقوده عزمي بشارة قائلاًquot; لقد تم اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحق رابين بناءً على فتوى أصدرها عدد من الحاخامات، وإذا كانت هذه هي طريقة تعاملهم مع الفتاوى التي تصدر بحق يهود مثلهم، فكيف سيكون تعاملهم مع من ينظرون إليهم بوصفهم أعداء؟ لقد أصبحنا كعرب نشعر بقلة الأمان وأدركنا أن الأمور تتطلب منا مزيداً من الحذرquot;.