جهاد الخازن

وجود اسرائيل في أراضي الفلسطينيين هو جريمة الحرب الأصلية، وما ارتكبت اسرائيل من جرائم حرب في قطاع غزة ليس سوى دليل آخر على أنها بنت غير شرعية للغرب تنتهك شرائع السماء والأرض.
عدد القتلى في حملتها على قطاع غزة إدانة كافية، ونسبة النساء والأطفال إدانة إضافية، وهي منذ 27 كانون الاول (ديسمبر) دمرت أو أصابت بأضرار هائلة مقر الأمم المتحدة في غزة وأربع مدارس لوكالة أونروا، وثلاث مدارس أخرى، وحوالى 200 مركز شرطة وعيادات للصليب الأحمر وخدمات كاثوليكية و 25 مسجداً ومقبرة ومئات المساكن. وهي جرفت بيوتاً بعد أن حشرت أهلها بداخلها، واكتشف الأطباء المصريون أن الأطفال الجرحى مصابون برصاص في الرأس.
أقول يجب محاكمة اسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب، فالأدلة على الجريمة كثيرة وطاغية، وعصابة الحرب والشر من اسرائيل الى أميركا لن تستطيع أن تقدم دفاعاً تقبل به أي محكمة.
تسع منظمات اسرائيلية لحقوق الإنسان، بينها laquo;بتسلمraquo; وlaquo;أطباء من أجل حقوق الإنسانraquo;، طالبت بتحقيق لمعرفة إنْ كانت اسرائيل ارتكبت جرائم حرب في غزة، وأشارت الى الموت وفرار عشرات آلاف المدنيين وانهيار النظام الصحي وانقطاع الماء والكهرباء.
ومنظمة العفو الدولية، من رئاستها في لندن وفرعها الاسرائيلي، طالبت بتحقيق، وكذلك فعل جاكوب كيلينبرغر، رئيس الصليب الأحمر الدولي الذي زار غزة. أما نافي بيلاي، مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فقد حذّرت في جلسة للمجلس في جنيف من احتمال ارتكاب اسرائيل جرائم حرب وانتهاك القوانين الإنسانية والدولية.
كذلك بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، فهو قال رداً على سؤال عن جرائم الحرب إن هذا شيء تقرره محكمة جرائم الحرب الدولية أو المنظمات المماثلة ذات العلاقة.
بان حَذِر، غير أن منظمات حقوق الإنسان الاسرائيلية نفسها لم تطق صبراً على جرائم الثلاثي، ايهود أولمرت وإيهود باراك وتسيبي ليفني، وأعلنت laquo;أن نوع القتال الحالي يثير شبهة ارتكاب جرائم حرب ونحن نطالب بالتحقيق في ذلكraquo;.
جرائم الحرب الإسرائيلية لم تبدأ في 27 من الشهر الماضي، وإنما قبل تأسيسها، وفي سنة 1948 و 1956 و 1967 و 1973 و 1982، وفي كل سنة أخرى بين هذه السنوات وحتى اليوم والجريمة ضد قطاع غزة ارتكبت عمداً أو عن سابق تصور وتصميم، بلغة المحاكم، والبروفسور ريتشارد فولك، وهو أستاذ شرف في القانون الدولي، ومفوض الأمم المتحدة الخاص لحقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أوقف في مطار تل أبيب في 14 من الشهر الماضي، وطُرد مع أنه كان في مهمة تحقيق بتفويض من الأمم المتحدة. واسرائيل انتقمت منه لأنه قال في السابق إن احتلال قطاع غزة laquo;هولوكوست محتملraquo;.
اسرائيل بلد مكروه، ليس بين العرب والمسلمين وحدهم، بل حول العالم، وتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة مرة بعد مرة بعد مرة ضد اسرائيل استفتاء واضح لرأي العالم في هذا البلد - الوباء الذي أصاب الشرق الأوسط. ومثل الجمعية العامة هناك مجلس حقوق الانسان في موقفه الواضح من انتهاكات اسرائيل، كما فعل سلفه، أي اللجنة الدولية لحقوق الإنسان، فقد دانت اللجنة اسرائيل مرة بعد مرة وهددتها أميركا وانسحبت، وأصدرت الجمعية العامة قراراً في 15/3/2006 بتأسيس مجلس حقوق الإنسان، وعارضت تأسيسه من أصل 192 دولة أربع فقط هي: الولايات المتحدة واسرائيل وجزر مارشال وبالوا.
اسرائيل لم تبرم قانون محكمة جرائم الحرب الدولية التي تأسست سنة 2003، وهي، السنة الماضية، لم توقع اتفاقاً دولياً يحرّم استعمال القنابل العنقودية، كما لم توقع قبل هذا وذاك معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. واستعملت الفوسفور الأبيض في غزة، واعترفت بذلك.
هي خارجة على القانون الدولي، وإذا لم تُحوَّل الى محكمة جرائم الحرب الدولية، فإن في امكان مجلس الأمن تشكيل محكمة خاصة للنظر في الاتهامات الموجهة اليها وهل ارتكبت جرائم حرب في قطاع غزة، كما حدث عندما شُكلت محاكم خاصة بالنسبة الى لبنان وكمبوديا ورواندا وتيمور الشرقية وغيرها.
تشكيل مثل هذه المحكمة الخاصة سيواجه احتمال أن تستعمل الولايات المتحدة الفيتو لمنعه، وإذا فعلت ذلك تصبح الولايات المتحدة شريكة في قتل النساء والأطفال ومهاجمة مقر الأمم المتحدة والمدارس والمستشفيات ودور السكن.
هل يذكر القارئ تصريح نائب وزير الدفاع الإسرائيلي ماتان فيلناي السنة الماضية؟ ثارت ضجة عالمية عندما قال مجرم الحرب فيلناي حرفياً: كلما زاد اطلاق صواريخ القسّام ووصلت الى مدى أبعد سيسبب الفلسطينيون لأنفسهم هولوكوست أكبر لأننا سندافع عن أنفسنا بكل قوتنا.
صواريخ القسام لا تقتل، وإنما هي تعبير عن رفض الاحتلال، وثمة نقطة مهمة، فالمطالبة بمحاكمة مجرمي الحرب يقصد بها أركان الحكومة الإسرائيلية والجيش، لا اسرائيل كلها أو يهود العالم، فالقارئ لا بد لاحظ أن بين الذين يطالبون بالتحقيق عدداً كبيراً من الأفراد اليهود والمنظمات.
نطالب بأن تقرر محكمة دولية مستقلة، هل ارتكبت اسرائيل جرائم حرب، ثم تُعاقِب المجرمين كما يستحقون، أو يصبحون أسرى الغيتو الإسرائيلي، وفي خطر الاعتقال في الشرق والغرب إذا غادروا دولة جريمة المؤسسات العسكرية العنصرية التوسعية، لذلك أمرت الرقابة العسكرية الإسرائيلية الصحف المحلية بعدم نشر أسماء قادة القطعات العسكرية في غزة حتى لا يلاحقوا حول العالم.