خليل علي حيدر

ما تعاني منه quot;القبيلةquot; في السعودية ومجتمعها، هو نفس وضعها في مجتمعات خليجية، وأحياناً غير خليجية. فعلى الرغم من أنها أحد المكونات المهمة في المجتمع السعودي- يلاحظ quot;عبدالحي شاهينquot; في مجلة quot;الإسلام اليومquot;، يونيو 2008- quot;إلا أن الحديث عنها دائماً ما يكون شائكاً ومثيراً للجدل، فهناك من يناصر هذه القبيلة إلى أقصى مدى، وهناك أيضاً من يدعو إلى الانخراط في مجتمع مدني. وبين هؤلاء وأولئك، هناك من ينادي بالتوسط في النظر إلى موضوع القبيلة، فلا يدعو إلى التخلي عنها، ولا إلى التمسك الزائد بها، وإنما يعمل جهده على إحداث ما يصفه بأنه نوع من التوازن والإنصاف، معترفاً بأن للقبيلة محاسنها الكبيرة، وأنها شكلت على الدوم إحدى القلاع المهمة في الدفاع عن الهوية والتقاليد والقيم الإسلامية والعربيةquot;.


إن للقبيلة تأثيرها الواضح في الحياة الاجتماعية في الخليج واليمن والأردن والعراق، وحتى في بعض بلدان شمال أفريقيا. وفي العديد من هذه الدول للتوازنات والتحالفات القبلية وزنها المؤثر والمرجح والحاسم في الانتخابات النيابية والطلابية وتشكيل الوزارات وإرساء الأمن. ومع هذا، لا نراها تنال نصيبها المطلوب من البحث والتأليف والاستبيانات، وكثيراً ما يطغى quot;الفهم الإعلاميquot; للظاهرة القبلية، ومحاولة المبالغة في إظهار أهميتها أو تجاهل تأثيرها!

والحقيقة أن ثمة أسئلة اجتماعية بالغة الأهمية تطرحها تحركات القبائل في مختلف مجتمعاتنا، تتعلق بسلبيات هذه القبائل وإيجابياتها، وبتعاونها مع الدولة والتحديث أو تمردها عليهما. ولكن كيف ينظر بعض مشايخ السعودية ومفكريها إلى الواقع القبلي هناك؟


قد يبدو من الصعب أحياناً إقناع الأجيال الجديدة بمدى أهمية القبيلة، لكن القبيلة موجودة باقية، مما يعني أننا بحاجة إلى المزيد من الدراسات الاجتماعية حولها.


من هؤلاء الشيخ الدكتور سعود الفنيسان، الذي أكد للمجلة، quot;أن ظاهرة القبيلة في المجتمع السعودي أصبحت تنذر بالخطر، محذراً من أن عدم التوازن في النظر إلى هذه القضية، قد يُدخل المجتمع في متاهاتquot;. وأضاف د. الفنيسان quot;إن الإسلام لم يضاد القبيلة، ولم ينه عنها، لكنه رشَّدها، ووضع لها حدوداً معينة، ومنع تعديها حتى لا تصبح خصماً للمجتمعquot;.

وأبدى الشيخ فينسيان استياءه من انتشار هذه الظاهرة، حيث quot;إن الكثير من مكونات المجتمع السعودي أصبحت تتفاخر على غيرها بالنسب والقبيلةquot;. بل إن الشيخ أبدى تخوفه من أن يؤدي استمرار هذه النزعة quot;إلى تقويض المجتمع quot;. ولكنه ذكر أن المطالبة بمحاربة القبيلة أو تجاهلها هو quot;أمر مستحيلquot;.

غير أن الشيخ الفنيسان لم يتشعب إلى العوامل التي تنشط هذه الظاهرة في عموم دول الخليج، كبعض السياسات، والنشاطات والبرامج الإعلامية، وعدم متابعة البرامج المشجعة على الصعيد الوطني العام لدمج القبائل في التركيبات الاجتماعية الحديثة. وحتى في الكويت، حيث قطع المجتمع شوطاً كبيراً في تشجيع التداخل السكاني بين الحاضرة والبادية، فإن المصطلح الشائع للإشارة إلى التجمعين السكنيين هو quot;المناطق الداخليةquot; وquot;المناطق الخارجيةquot;.

الأكاديمي السعوي د. عبدالإله العفرج، حمَّل بعض وسائل الإعلام المسؤولية في تحريك النزعة القبلية داخل مجتمعات دول الخليج. ولكن ما يبعث على الطمأنينة رغم هذا كله، يقول د. العرفج، إن بعض المثقفين صاروا يتناولون الموضوع بشيء من الاتزان، quot;وهذا يؤثر في العامة، ويحملهم على النظر بتعقل في الموضوع، أما البعض الآخر فإنه للأسف أصبح يعمل على إبقاء هذه الجذوة مشتعلة... إن هؤلاء يغامرون بسلامة المجتمعquot;. ورأى د. العرفج أن quot;المجتمع السعودي قائم على القبيلةquot;. وقال quot;إن القبيلة تضعف في المجتمع عندما يصبح العامل الديني والسياسي قوياً، كما أنها تزداد ترسخاً عندما يضعف جانب التدين والسلطة السياسية في المجتمع، فأي مجتمع هو في النهاية -خاصة مجتمعات الشرق الأوسط- يتكون من المكونات الثلاثة: الدين والقبيلة والسياسةquot;.

ولفت د. العرفج الانتباه إلى أن الجري خلف القبيلة والاحتماء بها، quot;قد يعمل على منع المجتمع من التعامل الإيجابي مع المتغيرات، بمعنى أنه يصير مجتمعاً لا ينفتح ولا يتأثر سلباً أو إيجاباً مع المتغيرات من حولهquot;.

وأكد د. العرفج، quot;أن أخطر ما في القبلية هو أنها تجعل العامة والنخبة المثقفة صيداً سهلاً في شباك التحزُّب والتقوقع في إطار معين لا يجعلهم يفكرون في غير نصرته سواء كان ظالماً أو مظلوماً، وهذا يجعل من المثقف والمستنير في مستوى واحد مع العامي الذي لم يتلق أي قدر من العلم والثقافةquot;.

د. سعيد بن ناصر الغامدي، دافع عن القبيلة كواقع اجتماعي وسياسي بمؤثرات إيجابية. quot;فهي تشكل قلعة المحافظة في المجتمعات، وأن الأحزاب الليبرالية والشيوعية كانت -في اليمن على سبيل المثال- تحارب الحجاب بشكل كبير، لكنها لم تستطع أن تحقق إنجازاً يذكر بفضل دفاع القبيلة عن هذا الحجابquot;. وأضاف د. الغامدي أن القبيلة عرقلت انتشار هذه القيم، وهذا ما كان يجعل الليبراليين quot;شديدي الهجوم على القبيلة، ويعملون جهدهم على هدمها أو تغيير بنيتهاquot;.

ولكن للغامدي كذلك مخاوفه من تفشي المفاهيم القبلية، لأن quot;بعض العوائل والقبائل تعتقد بأسطورة العرق النبيل، وأنهم أفضل من غيرهم مهما كان كسب الغير عظيماً في جوانب العلم والدين والصلاح، وأرى أن هذه الأسطورة شديدة التخلف، وجاهلية، وتغرق المجتمعات في الجهلquot;.

ولكن لماذا عادت القبيلة إلى الواجهة السياسية والاجتماعية في دول الخليج واليمن وغيرها؟

جواب د. الغامدي quot;أن الاحتماء بالقبيلة أمر فطري، بيد أن الاهتمام الزائد بها وعدم ترشيدها واحتوائها يؤدي إلى الإضرار بالمجتمع ويفكك تماسكه.. إن المجتمعات أصبحت مُحبطة من السياسة، ولذلك فإنها لا شعورياً تحاول الاحتماء بالقبيلة هروباً من حالة الإحباطquot;.

أستاذ quot;السياسة الشرعيةquot;، د. عبدالله الطريقي، أشار إلى اضطراب سلوك الناس وتحالفاتهم: quot;فالقبيلة كانت تقوم في الماضي بكل الوظائف المهمة في حياة أعضائها، من الحماية إلى الاقتصاد، إلى الضبط الاجتماعي، بيد أن هذه الوظائف سُحبت منها بعدما حصلت النقلة من حياة البداوة والصحراء إلى حياة المدن والعمرانquot;.

ولا يزال هذا الاضطراب موجوداً، فقد يبدو من الصعب أحياناً إقناع الأجيال الجديدة بمدى أهمية القبيلة، ورغم ذلك فالقبيلة موجودة باقية وستظل. وquot;إن من يذهب إلى خارج العواصم والمدن الكبرى فسيرى مدى تغلغلها في نفوس تلك المناطقquot;. فالقبيلة، يضيف د. الطريقي quot;حفظت الكثير من القيم، بل إنها كانت عنواناً لعدد من الأخلاق النبيلة والفاضلة مثل إكرام الضيف والجار والتعاضد وإغاثة الملهوفquot;. ودعا د. الطريقي الباحثين إلى أن quot;يطرقوا هذا الجانب المهم في حياة السعوديينquot;. وهذا يعني أننا بحاجة ماسة إلى المزيد من الدراسات الاجتماعية.. حول القبيلة والقبلية!