عبد الله الهدلق

ليس بالهين ولا بالقليل ما يعانيه شعب بأسره، شاء له القدر ان يكون ابنا لتلك الارض الواقعة شمال الخليج العربي محاذية للعراق، تعرف باسم (الأحواز) او (عربستان) اي ارض العرب لانتساب معظم قاطنيها - البالغ عددهم أكثر من خمسة ملايين نسمة - الى قبائل عربية عريقة كبني تميم، وبني أسد، وبني لام، وبني كعب وطيئ، وتسميها ايران الفارسية (خوزستان) بعد امتداد يد التغيير الفارسية اليها عام 1936، وهي ارض معطاءة، ثرية بالنفط والجمال، ولكن نحس طالعها ومعاناة أهلها تنامت تاريخياً عندما انقضت عليها قوات الاحتلال الفارسي في 1925/4/20، بسياسة ارهاب منظم مارسته الدولة الفارسية في عهد رضا خان بهلوي، فوقعت تلك الارض العربية في قبضة ايران الفارسية المعادية للعرب والعروبة وصاحب ذلك الاحتلال تمييزا عنصريا بغيضا انتهجته ايران الفارسية الظلامية ضد مواطني ذلك الاقليم العربي من منطلق شعوبي شوفيني يزداد ضراوة بمرور الايام، وبعدا عن كل ما هو انساني ومتحضر نصت عليه الوثائق الدولية وشرائع حقوق الانسان فضلا عن التعاليم السماوية السمحة.

ولئن كان التمييز العنصري الذي تمارسه بعض الأنظمة الحاكمة ضد مواطنيها، صورة من صور الصراع من أجل البقاء فإن النظام الفارسي الحاكم في طهران يمارس تمييزا عنصريا ضد العرب هو أيضا صورة من صور الصراع من أجل الاستعلاء والاستحواذ والتوسع لاحياء النزعة الصفوية الساسانية والمتجلية بوضوح في الفكر الطائفي المتطرف الذي كانت وما برحت تتبناه وتروج له مختلف الأجهزة الفارسية وهو فكر مُغاير -بطبيعة الحال- لروح الاسلام، لأنه فكر عنصري اقصائي قائم على الكراهية والانتقام تتم فيه قولبة المفاهيم الاسلامية بشكل يناسب الطموحات الفارسية التوسعية، ولم تختلف الثورة الفارسية المؤدلجة العنصرية البغيضة والمشؤومة عن الحكم الاستبدادي المتعالي لشاه ايران، فها هي تُعامل شيعة الاحواز العرب -فضلا عن السُنة- معاملة يهود الفلاشا، حيث يُعامل الاحوازيون بقمعية لا يمكن أن تصدر إلا عن مُحتل لا عن دولة تدعي أنها (متحضرة!).

وكيف لا يكون ما يُعانيه الاحوازيون احتلالاً والأمر لا يكتفي بحرمانهم من تعليم أولادهم اللغة العربية، والثقافة القومية فحسب بل يتعداه إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير وهو حرمانهم من تسمية أولادهم بأسماء عربية في محاولة تستهدف اضعاف ارتباطهم بجذورهم الحضارية لأمتهم العربية، وتدعم تلك المحاولة المنافية للاعلان العالمي لحقوق الانسان خطوات اخرى لا تقل خبثا، منها فرسنة الارض بتحويل اسماء مدنها وقراها ومعالمها العربية الى مسميات فارسية، ومواصلة تغيير التركيبة السكانية للاقليم العربي بمزيد من عمليات تهجير العرب وتوطين الفرس مع ما يتبع ذلك من مصادرة للاراضي دون حق بذرائع مختلفة، ولا يقف الاجرام الفارسي الشعوبي عند مصادرة الحقوق الثقافية والممتلكات الشخصية بل يتعداه الى مصادرة الحريات والحياة نفسها وذلك بمزيد من الاعتقالات القمعية المتواصلة والقتل المتعمد وهل يختلف ما يمارسه النظام الفارسي الحاكم في طهران عما كانت تمارسه الدولة البلغارية في زمن laquo;تيودور جيفكوفraquo; الرئيس السابق ضد المسلمين من تمييز عنصري؟!

من هنا ومنذ حلول نكبة ابريل في منتصف عشرينيات القرن الماضي، اختار الشعب الاحوازي الثورات التحررية، فقام بعدة ثورات فقد على اثرها الكثير من رموزه وابنائه، وما يزال عشرات الالاف من احراره وحرائره قيد الاعتقال، وما زالت جراحاته تنزف دما، وما زال الاحتلال الفارسي البغيض يواصل القمع والافتراس، فهل لهذا الشعب العربي الابي المقاوم من وقفة مشرفة الى جواره خلال محنته العصيبة؟ وان لم تكن تلك الوقفة المشرفة نابعة من القيم العربية والاسلامية - وكفى بهما دافعا - فليكن باسم الانسانية والدفاع عن القيم العليا ونشر العدالة واحلال السلام. ام ان على الاحوازيين ان ينتظروا حتى يأتي يوم تتعارض فيه المصالح الامريكية مع المصالح الايرانية الفارسية الى الحد الذي يسمح بتفجير تلك القضية وفتح ملفاتها، واعتبارها ورقة ضغط ومساومة رابحة، وعندها فقط نتحرك حسب الرغبة الامريكية كعود في حزمة المجتمع الدولي بعد ان تشحننا وسائل الاعلام بحقائق وفظائع ما نحن اليوم عنه غافلون؟! ومتى ندرك انه ليس من الضروري ان تتبنى الادارة الامريكية القضية الاحوازية لتكون قضية عادلة؟

اما للحرية من مناصر، وللكرامة من معنى، وللحق من معلن ومقيم؟! فالقيم والمبادئ لها الاولوية في الممارسات اليومية، ولا يصح ربطها بالمصالح الشخصية ولا بالسياق الزمني والا تحول القتل والقمع والاستبداد والارهاب الفكري والسياسي الى وسائل مشروعة ومواقف لها مبرراتها ومباركوها ايضا وما على الناس الا التعايش معها والقبول بها كوضع طبيعي، وحين يحدث ذلك فقل على الدنيا ومن فيها السلام. تحل في هذه الايام الذكرى (84) لاحتلال الاحواز في 1925/4/20.